حين بدأت بالتدريج في قراءة سلسلة (ما وراء الطبيعة)، تدفعني نزعة، أو شهية (فوق طبيعية) للرعب. لم أرتح كثيراً لـ، د.رفعت اسماعيل، ساخر، عجوز، قبيح، مثقف، حاصل على الدكتوراة، رغم أنه يمثل الـ(Anti-Hero)، لكن كل هذا لم يجعل منه شخصية مفضلة لدي، سخريته مبالغ بها قد تصل للازدراء أحياناً، لديه حكم جاهز ومطلق ومتعسف على الشخصيات الأخرى، واثق من نفسه، وواثق كذلك من (وضاعة) الجنس البشري عموماً، باختصار، د.رفعت اسماعيل كان بحق ابن عصره، وتركيبته السيكولوجية كانت مزيجاً من التعالي النيتشوي والتشاؤم الشوبنهاوري، والنيهيلستية، ورغم أن (رفعت) ليس (سوبر.مان)، إلا أن هاجس السوبر.مان، (الأوبرمِنش) ساكن تماماً في نفسيته، المقارنات لا تتوقف بينه وبين (رجال خارقين) آخرين في السلسلة، أذكر منهم ذاك الذي أثار اعجاب ماغي ماكيلوب (في رواية لوخ نس ربما)؟)، وإن لم أكره رفعت اسماعيل، أبداً، عدم الارتياح تجاهه منبعه أنه من الشخصيات الروائية التي لن أرغب أبداً في الالتقاء بها، فهو، غالباً، سوف يزدريني.
ثم تجري عملية (تحويل) رفعت اسماعيل إلى سوبر.مان، عنوة، مع الوضع في الاعتبار كل ما لا يجعله كذلك : ضعفه الجسدي، صحته المعتلة، سنه المتقدمة، عصبيته، ملله، وفي الحقيقة، تميل السلسلة إلى جعل كل هاته الصفات، وكلها سلبي، الأسباب التي تجعله بالضبط (سوبر.مان)، في زمن ما بعد الحداثة، وفي السبعينيات، كل ما هو جميل، مثالي، منير أو أبيض : سَـقَـط، سواء فلسفياً، أخلاقياً أو فنياً. ونفسية القاريء/المتذوق صارت تميل إلى السلبي والمظلم لأنه، ربما، واقعي أو صريح أو غير خادع، وغير واعد، وغير (نصّاب)، رفعت اسماعيل عجوز، لهذا هو أحكم من كل الشباب جميلي الخلقة، وصحته معتلة مما يجعله ينسحب، (كناسك) عن كل نشاط انساني مرح، وفي هذا زيادة لحكمته، هو عصبي ولا يحتمل الهراء، عكس جميع البشر، وهو ملول ، وعليه، فهو (غير ممل) مثل جميع البشر، الخ.
نقطة أخرى هي القوة المعرفية*، في حين سادت مؤخراً موضة (الأبطال العارفين)، وفي هذا مثال (غيل غريسوم، من مسلسل سي.إس.آي، والذي يذكرني كذلك بويليام دا باسكرفيل من اسم الوردة)، والخط الرفيع الذي يربط بين ويليام وغيل هو شيرلوك هولمز، يعترف امبرتو ايكو أنه بنى شخصية وليام على شيرلوك هولمز، وغيل غريسوم في مسلسله البوليسي (لابد) له أن يكون خلفاً لشيرلوك هولمز بطريقة ما، وشيرلوك هولمز بوصفه الأساس لكل شخصية أتت من بعده تعمل في مجال (التحقيقات في ظواهر غامضة)، وكما يحقق رفعت اسماعيل في قضايا غامضة عموماً، سواء كان متورطاً بها أو مدعواً إليها، فنشاطه يتضمن التفكير، التحليل المنطقي، والتغلب على (الوحش/العفريت/الشيء) بالحذق أو الاستنتاج، إن رفعت اسماعيل واقع تحت عباءة شيرلوك هولمز، ولعل المؤلف رسم الخطوط الرئيسية لشخصيته واضعاً في ذهنه هولمز.
ثم تجري عملية (تحويل) رفعت اسماعيل إلى سوبر.مان، عنوة، مع الوضع في الاعتبار كل ما لا يجعله كذلك : ضعفه الجسدي، صحته المعتلة، سنه المتقدمة، عصبيته، ملله، وفي الحقيقة، تميل السلسلة إلى جعل كل هاته الصفات، وكلها سلبي، الأسباب التي تجعله بالضبط (سوبر.مان)، في زمن ما بعد الحداثة، وفي السبعينيات، كل ما هو جميل، مثالي، منير أو أبيض : سَـقَـط، سواء فلسفياً، أخلاقياً أو فنياً. ونفسية القاريء/المتذوق صارت تميل إلى السلبي والمظلم لأنه، ربما، واقعي أو صريح أو غير خادع، وغير واعد، وغير (نصّاب)، رفعت اسماعيل عجوز، لهذا هو أحكم من كل الشباب جميلي الخلقة، وصحته معتلة مما يجعله ينسحب، (كناسك) عن كل نشاط انساني مرح، وفي هذا زيادة لحكمته، هو عصبي ولا يحتمل الهراء، عكس جميع البشر، وهو ملول ، وعليه، فهو (غير ممل) مثل جميع البشر، الخ.
نقطة أخرى هي القوة المعرفية*، في حين سادت مؤخراً موضة (الأبطال العارفين)، وفي هذا مثال (غيل غريسوم، من مسلسل سي.إس.آي، والذي يذكرني كذلك بويليام دا باسكرفيل من اسم الوردة)، والخط الرفيع الذي يربط بين ويليام وغيل هو شيرلوك هولمز، يعترف امبرتو ايكو أنه بنى شخصية وليام على شيرلوك هولمز، وغيل غريسوم في مسلسله البوليسي (لابد) له أن يكون خلفاً لشيرلوك هولمز بطريقة ما، وشيرلوك هولمز بوصفه الأساس لكل شخصية أتت من بعده تعمل في مجال (التحقيقات في ظواهر غامضة)، وكما يحقق رفعت اسماعيل في قضايا غامضة عموماً، سواء كان متورطاً بها أو مدعواً إليها، فنشاطه يتضمن التفكير، التحليل المنطقي، والتغلب على (الوحش/العفريت/الشيء) بالحذق أو الاستنتاج، إن رفعت اسماعيل واقع تحت عباءة شيرلوك هولمز، ولعل المؤلف رسم الخطوط الرئيسية لشخصيته واضعاً في ذهنه هولمز.
وهولمز كشخصية، ربما، أدخل به آرثر كونان دويل لأول مرة، أدبياً، بطل قصص التشويق المتفوق عقلياً والعدائي تجاه المجتمعات. والتي في الوقت ذاته، رغم حذقها تملك جانباً سلبياً، بالنسبة لهولمز، هو كذلك كان مدمناً على السجائر، وأحياناً المخدرات.
إن (عدوى) شيرلوك هولمز سوف تمتد لتشمل موضوعنا الرئيسي، شخصية (د.هاوس) من مسلسل هاوس، بدأ الأمر بملاحظة أو إحساس بلا أساس منطقي، بالشبه الغريب بين هاوس ورفعت اسماعيل، كلاهما دكتور، وكلاهما سلبي جداً، معتل الصحة، ملول، عصبي، مزدرٍ للآخر، محتقر للبشر، عدائي، رفعت اسماعيل مدمن على السجائر، د.هاوس مدمن على المسكنات، وكلاهما يقع في فئة (البطل العالم)، وكل بطولة المسلسل، كما هي كل بطولة رفعت في السلسلة، تتمحور حول قدرة (رفعت، أو هاوس) على (معرفة) السبب والوسيلة قبل الآخرين وبسرعة، إن عامل (الادراك، الملاحظة الحذقة والمعرفة بسرعة) مشترك تقريباً بين مسلسل هاوس الذي يدور حول عمليات انقاذ متتالية لمرضى ذوي حالات مستعصية، وسلسلة ما وراء الطبيعة التي تتمحور حول (النجاة) بسرعة، وبشكل متتالي، من البعبع.
والظريف، كما يُرسم رفعت اسماعيل عادة وفي فمه السيجارة، يُصور د.هاوس (غارقاً) في عُلب مسكانته.
الآنتي.هيرو لا يجب أن يكون سلبياً ، غيل غريسوم ليس سلبياً رغم أنه آنتي.هيرو، وديكستر مورغان، القاتل المتسلسل وبطل مسلسل (ديكستر) آنتي.هيرو، رغم أنه لا يملك ذات المقدار من السلبية والازدراء للبشر والعجرفة، وديكستر كشخصية (هي كذلك خليط من النيتشوية، الشوبنهاورية والنيهيلستية) أعمق درامياً وعاطفياً، وكذلك سيكولوجياً من شخصيات كـ. د.هاوس، أو حتى رفعت اسماعيل، وما يقدمه المسلسل (ديكستر) من مسحة (فرويدية، اشارة إلى الصدمة التي يتعرض لها ديكستر في طفولته وتجعل منه مسخاً)، بالإضافة إلى الميل المهووس والظلامي للقتل لدى ديكستر، والعواطف غير المفهومة التي تضطرم داخله، يشكل شخصية قد تثير اعجاب المتذوق أكثر من مجرد شخص يتمحور كل العمق الدرامي لشخصيته، لدى المشاهد، في انتظار المشهد التالي الذي سوف تظهر به مسحة حنان أو عاطفة أو ضعف حسّي، وساعتها يحس المشاهد بنوع من الراحة النفسية، والرضا الرومانتيكي، حين يتحول وحش صلف ، دائم العجرفة وتوجيه الاهانات للغير إلى وحش وديع أو رومانسي في لحظة عابرة قد تكون غير ملحوظة.
مما يجعلهما (رفعت، وهاوس) نوعا من العزاء العجيب لإنسان/قارىء/مشاهد، فقد ثقته في البشرية.
والظريف، كما يُرسم رفعت اسماعيل عادة وفي فمه السيجارة، يُصور د.هاوس (غارقاً) في عُلب مسكانته.
الآنتي.هيرو لا يجب أن يكون سلبياً ، غيل غريسوم ليس سلبياً رغم أنه آنتي.هيرو، وديكستر مورغان، القاتل المتسلسل وبطل مسلسل (ديكستر) آنتي.هيرو، رغم أنه لا يملك ذات المقدار من السلبية والازدراء للبشر والعجرفة، وديكستر كشخصية (هي كذلك خليط من النيتشوية، الشوبنهاورية والنيهيلستية) أعمق درامياً وعاطفياً، وكذلك سيكولوجياً من شخصيات كـ. د.هاوس، أو حتى رفعت اسماعيل، وما يقدمه المسلسل (ديكستر) من مسحة (فرويدية، اشارة إلى الصدمة التي يتعرض لها ديكستر في طفولته وتجعل منه مسخاً)، بالإضافة إلى الميل المهووس والظلامي للقتل لدى ديكستر، والعواطف غير المفهومة التي تضطرم داخله، يشكل شخصية قد تثير اعجاب المتذوق أكثر من مجرد شخص يتمحور كل العمق الدرامي لشخصيته، لدى المشاهد، في انتظار المشهد التالي الذي سوف تظهر به مسحة حنان أو عاطفة أو ضعف حسّي، وساعتها يحس المشاهد بنوع من الراحة النفسية، والرضا الرومانتيكي، حين يتحول وحش صلف ، دائم العجرفة وتوجيه الاهانات للغير إلى وحش وديع أو رومانسي في لحظة عابرة قد تكون غير ملحوظة.
مما يجعلهما (رفعت، وهاوس) نوعا من العزاء العجيب لإنسان/قارىء/مشاهد، فقد ثقته في البشرية.
* شكر خاص لهذه التدوينة، بلفتها الانتباه إلى كل (المفاتيح) الرئيسة في شخصية رفعت اسماعيل
4 comments:
اسمه إيوان فرايزر وكان خطيب ماجي لفترة قبل أن تنفصل عنه وتعود إلى حبيبها الأبدي رفعت إسماعيل... أنا من محبي رفعت إسماعيل.. أو كنت كذلك حتى وقت طويل.. هذه المشكلة مع التدوينات الكاشفة أو التي تصدع الحقائق.. أنها تزيل الأوهام الرومانسية حول كل الشخصيات المحبوبة.. رفعت إسماعيل وهاوس وغيرهما من الشخصيات.. لذلك لا يحب كثيرون من الناس أن يقرأوها..
لا زلت أحب رفعت إسماعيل من باب العناد الطفولي فحسب.. أنني لا أريد أن أقر بأنني وقعت في شراك الوهم، وأن شخصيتي لم تكن مميزة بحيث أتفادى مغناطيسية شخصية رفعت إسماعيل الهائلة...
المسألة بين رفعت إسماعيل وهاوس أن كراهيتهما للبشر، وازدراءهما العميق للإنسانية يجعلهما في نادٍ متميز... ويجعلهما موضع حسدٍ من الصغار الطامحين مثلي... لقد كنت أخشى أن أكون محط ازدراء رفعت إسماعيل.. لذلك سعيت إلى التحول إلى رفعت إسماعيل أنا نفسي.. ولولا علقة ساخنة تلقيتها في طفولتي عندما بدأت أدخن لكنت اليوم من كبار المدخنين...
إن هناك هالة تحيط بهؤلاء المعادين للإنسانية.. هالة العبقرية وكلية العلم.. هالة التفرد والتميز.. إن كل الآخرين عاديون فيما هم وحدهم متفردون...
ديكستر؟!...
ليس لهذه الدرجة!... تالياً، سنجعل من هانيبال ليكتر هيرو!.. لا أعتقد أن كلاهما يحمل من صفات نقيض البطل لأنهما شريران... ديكستر يعيش في الجحيم فعلاً ويريد أن ينقل الجحيم إلى الأرض... هذه شخصية مثيرة للاهتمام.. أؤيدك... ولكنها لا تقدم ما يقدمه رفعت وهاوس ومن لف لفهما.. فهذه الشخصيات تعطي المتلقي انطباعاً بأنه قادر على أن يكون كارهاً للبشرية وسلبياً وفي الوقت نفسه يستطيع إنقاذ البشر... في كل حلقة ينقذ هاوس الأرواح.. وفي كثير من مغامرات رفعت فإنه ينقذ البشرية... ومثال على ذلك آخر مغامراته حيث يدخل عالم فرانشيسكو دي جويا المرعب لأجل أن يحل الصراع بين المورا إنكادا وصاحبته الكينونة... صحيح أن الرواية متخلفة عقلياً وسخيفة وتقتضي من القارئ حباً لا مثيل له لغويا ليتمكن من إكمالها.. وإلا عض أصابعه غيظاً طوال فترة القراءة التعذيبية... وقرر أن يقاطع رفعت إسماعيل كما فعلت أنا... إنه لم يعد حتى سلبياً!.. لقد صار مجرد فيجيتبل ملقاة على جانب الطريق تلعب به قوتان متضادتان... بالمناسبة... ستشكل هذه إضافة ظريفة للتدوينة التي لفتت الانتباه لمفاتيح شخصية رفعت إسماعيل... هذه الشخصية الذكورية تنتهي بين قوتين متضادتين كلتاهما أنثوي!... لقد صار رفعت أقرب إلى شيخ خرف منه إلى أي شيء آخر!..
أما هاوس.. فهناك حكايته السخيفة مع كادي.. ومع زوجته السابقة أو صديقته.. لا أذكر.. اسمها ستيسي... كلتا المرأتين تعاونتا واستأصلتا عضلة فخذه عندما كان مريضاً.. هذه العملية تشبه تعرضه للخصاء برأيي.. على يد المرأتين التين يتذبذب بينهما..
علاقة رفعت إسماعيل كذلك غريبة بماجي وبهويدا... إنه هوس.. ديسفنكشن يجمعه بهاوس... طبعاً، لا توجد نساء في اسم الوردة وإلا كان الحديث عن اختلال ويليام دا باسكرفيل فيما يتعلق بهن مضحكاً....
أحمد خالد توفيق قال أن مشكلته مع المرأة هي مشكلة كل الكتاب الشرقيين.. أنهم لم يفهموا المرأة.. طيب.. كاتب هاوس وقبله شارلوك هولمز غربي... بماذا تفسر هذه الديسفنكشنية المستشرية في هذه الشخصيات؟!...
أعتقد أن أوضح ما يكون هو رهاب الإناث الذي يجمع هذه الشخصيات.. آيرين أدلر تطعن كبرياء شارلوك... امرأتا هاوس تخصيانه... وكذلك تفعل الكينونة والمورا إنكادا برفعت... إنهما تغتصبانه مجازياً...
إما أن هذه رواسب عقد أوديبية... وإما أن هذه الشخصيات مجنونة جميعها بقدر جنون ديكستر... وكتابها يحاولون إقناعنا بأنهم عباقرة...
يجب أن نرفع لهم القبعة لأنهم حولوا هواجسهم الشخصية ضدنا...
لكننا الآن كبرنا بما فيه الكفاية.. ولم يعد أحد قادر على أن يخدعنا ويخفي أمراضه النفسية في هيئة خصال شخصية معينة... المشكلة في الكلمات!.. الكلمات التي يستخدمها الكتاب للتمويه!.. لا مشكلة... ما أردت قوله أن هذه تدوينة رائعة.. وأنا سعيد بالتعرف على مدونتك...
أهلاً بك يامن.
هو ذاته الأمر كما عبّرت عنه، يجعلهما موضع حسد من صغار السن ومن هم على عتبة البلوغ، العجيب هو (استمرار) اعجاب البعض بهذا النوع من الشخصيات، والذي لم أجد تفسيراً له، طبعاً، بعد تجاوز هؤلاء لهشاشة مرحلة المراهقة، إلا ضعف ثقتهم بالبشرية، ضعف الثقة الذي لم يزل يترك مسحة من (هشاشة المراهقة).
أنا كذلك لم أكره رفعت، وها أنا أكررها، وكان وجوده ظريفاً ومرغوباً، أنا انتقلت من رفعت إلى ويليام دا باسكرفيل، وهذه النقلة تعني أنه لم يتغير شيء في ذوقي، أو رؤيتي للبشرية، أو (تسامحي)، اعجابي بشخصيات مغايرة تماماً، مثل، لنقل، كلود فرولو، ديكستر، مصاص الدماء ليستات، وربما بشكل أقل د.ليكتر، يشي بأن مساحة القبول والتسامح اتّسعت لدي. الحقيقة، مصطلح نقيض البطل الذي روّج له أحمد خالد توفيق بشكل (متفصّل) على رفعت اسماعيل، لم يك شاملاً. والانطباع لدينا أن نقيض البطل هو شخص (خيّر) بالضرورة لكنه ليس السوبر.مان. وهذا غير صحيح، الحقيقة أن د.ليكتر و ديكستر بالفعل يُصنفان درامياً كنقيض بطل. من منا لم يجد نفسه، في لحظة مظلمة، يميل إلى جانبهما، يودّ لهما النجاة من المأزق الذي وقعا فيه؟ د.ليكتر يقتل (ميغز) لأنه أذى كلاريس ستارلينغ كلامياً، وديكستر يسير بنهج صارم وغير متسامح على (قانون هاري - اقتل الأشرار فقط) الذي وضعه له والده بالتبني، د.ليكتر وحبه الخفي وغير الظاهر لكلاريس، وعذاب ديكستر ومأساته، سواء حين خرقه لقانون هاري أو ساعة مقتل زوجته، الحقيقة أن شخصية ديكستر بالذات، وظلامية المسلسل واحساس الانقباض العام الذي خلفه لديّ، كل هذا يُحسب له، نحن صرنا نفهم ديكستر وربما سوف نلتمس له العذر بسبب (مأساة) طفولته (توظيف رائع للفرويدية)، شخصية غير استعراضية، قادمة مباشرة من الجحيم، كريهة، كما قلت، هذا بصراحة (تحدي) حقيقي لتسامحنا الدرامي.
أما، ويليام دا باسكرفيل، د.هاوس. د.رفعت اسماعيل، وأبوهم شيرلوك هولمز، كلهم شخصيات استعراضية جداً، يكتبها مؤلفها وهو -أصلاً- واقع في غرامها.
اضافة إلى كلامك الرائع (والذي نبهني أكثر إلى نقاط التلاقي بين الشخصيات الثلاثة)، لاحظ أنهم جميعاً يتخذون مظهر الأب، ويليام أب لأدزو، د.هاوس معلم/أب للأطباء الأصغر سناً العاملين في فريقه، ورفعت اسماعيل كذلك، بظروف سنه، شيرلوك هولمز وعلاقة (الصداقة) الحميمة بينه وبين واطسون هي في الواقع (معالجة) عصرية لكل العلاقات الأبوية. خاصة (القلق) الأبوي الذي يبديه حين يتعرض واطسون للخطر. حكاية الأب هذه تدع مجالاً واسعاً لكل العقد الذكورية التي يمكن تخيّلها. لاحظ أن (الفئات) التي توضع فيها الشخصيات عادة، في كل هذه المغامرات، إما ،بحسب علاقتها بالبطل (سواء كان هاوس، رفعت، باسكرفيل، أو هولمز) : أبناء، أو خصوم، يعني من ليس خصماً لهذه الشخصية سوف يقع في مجالها (الأبوي) الحنون، حتى القراء سوف يقعون، الآن، وجود امرأة، في المجال الحيوي لشخصية (ميغالومانيّة) كهذه سوف تنشأ عنه الكثير من (الكهرباء) في الجو. وهي غالباً لن تميل لأن تصبح تلميذة، أو ابنة، لعل هذا هو الديسفنكشن الذي تتحدث عنه، الشكل الصارم والميغالومانيّ لعلاقة هذه الشخصيات بغيرها، إما أن يكونوا أبنائه، أو أن يكونوا البعبع الذي يجب عليه أن (يهشّه) بعيداً عن أبنائه. لأجل هذا تتحول كل شخصية نسائية إلى تهديد، سواء كانت حبيبة أم غيرها، ولو صارت حبيبة فستكون حبيبة ذات أبعاد ظلامية، وسادية تماماً تجاه البطل. إن (توائماً) أو تفاهماً من أي نوع بين البطل وحبيبته هذه يقتضي أن تعاني الحبيبة من (عقدة إليكترا)، وهي ليست كذلك عادة، إنهن صحيحات نفسياً، والمؤلفون يميلون إلى جعلهن كذلك، لا يعانين من أية مشكلة أو (عذاب) ما، لذا، التعقّد النفسي يكون بسبب البطل. فهن ببساطة ينتمين إلي (الآخر/الإنسانية البعيدة) التي انسحب منها البطل وازدراها، ولا يتعامل معها إلا إذا حقق هوسه العجيب في التسلط الأبوي، و(نفاذ) شخصية نسائية كحبيبة سوف (يهزّ) البناء الأبوي للبطل.
بالنسبة لويليام، يبدو أن (خبرة) امبرتو ايكو كناقد أدبي أصلاً وليس كاتباً، جعلته يتفادى (الديسفنكشن)، وحتى كل المظاهر الأبوية التي خلعها على وليام مقصودة، وليام ساخر كذلك ، لكنه، بما أنه راهب فرانشسكاني يتجنب مسألة العجرفة والتصلف، امبرتو ايكو كذلك ترك مساحة (فراغ) حرّ للتأويلات الخاصة بماضي وليام، لماذا ترك مهنته في محاكم التفتيش ؟ ما الذي حدث له هناك؟ هل السبب (أخلاقي/مفاهيمي) فقط ؟ وما سر هذا العداء/الصراع العجيب (والمبيّت) بينه وبين برناردو غوي ؟ يمكن لهذه الأسئلة أن (توحي) لك ببعض الأفكار (الطريفة).
الحقيقة أن ردك أسعدني وأفادني كثيراً، وهو - يقوّي- من قضية التدوينة نوعاً، بتأصيل التشابهات والتلاقيات أكثر بين الشخصيات الثلاثة موضوع المقارنة.
أشكرك، وأتمنى أن تكون المدونة عند حسن ظنّك.
مرحباً يا صديقي...
بدأت أعتقد أن هذه الشخصيات تأتي بالطقم: أعني القاضي كلود فرولو ورفعت إسماعيل وهاوس وليستات وغيرهم.. أنا كذلك من المولعين بهذا الطقم....
لقد كانت ما وراء الطبيعة لفترة طويلة جداً من حياتنا منفذنا الوحيد إلى النقد الأدبي والحركات الثقافية الغربية.. لذلك فإن فهمنا لها مشوه.. اليوم ننقلب عليها لأنها أداة تزييف... لكن الأمر لا يخلو من الخيانة...
أعلمه الرماية كل يوم/فلما اشتد ساعده رماني
وكم علمته نطق القوافي/ فلما قال قافية هجاني
أعتقد أن شعور ما وراء الطبيعة قريب من هذا... لكنني فعلاً فضولي لأعرف السر في هذه الأطقم...
في بقية الأمور أتفق معك كلية... أنت على حق... ويعجبني أسلوبك في وضع الأمور بشكل صريح وكلمات في مكانها...
صار لدي الآن مكانان مفضلان على النت.. تصدعت المرآة والطعم المر للأغاني... من الجميل أن أجد أنني لست وحيداً.. وأن هناك من يشاركني الرأي.. يقولون ثلاثة يؤلفون نادياً.. صحيح أن قدراتي الكتابية لا تزال متأخرة.. لكنني لا أشك في أنك ستقبل أن أطل عليك من حين لآخر بتعليقاتي التي قد تفتقر إلى أسلوبك المنظم، لكن هذا لا يعني أنها هراء بحت...
بالمناسبة، يبدو لي أنك تجيد اللاتينية!.. واو!... ما شاء الله...
(عليك بأخذ الحيطة والحذر... تذكر مبدأ ما وراء الطبيعة الشهير بخصوص من يجيدون اللاتينية!..)
لما وراء الطبيعة ما يمكننا تسميته، سحر التسعينيات، لها خصوصية وطعم جميل مثلها مثل أفلام الرعب (بي.موفيز) كالصرخة و (اعرف ماذا فعلت الصيف الماضي)، الخ، أقول لك، هذه السلسلة وهذه الأفلام تذكرني بطعم ليل الصيف، وهو شيء لم أعد أعرفه أو أحسه. ولسبب ما كنت أستغرق وقتاً أطول في قراءة كل عدد، ربما ليال متتالية، الآن، الأعداد الأخيرة أقرأها في ساعتين تقريباً وأمام الشاشة. لابد أن بالأمر شيء (سينتمنتال)، يعني، نحن الآن ونحن زمان، الخ. الأفلام الجيدة والروايات الجيدة التي عرفناها الآن، والتي هي أفضل فنياً من ما وراء الطبيعة - بلا شك- إلا أن الأخيرة تملك خصوصية، لأنها شيء ينتمي لتجربتنا الخاصة في الفن أو الحياة عموماً. ولهذا أهميته.
صحيح، الأمر كما تقول، يبدو كخيانة، لكن كل هذا لا يخرج عن نطاق (النقد البنّاء)، كما يقولون، أظن أن التهاون مع عيوب السلسلة من باب العرفان بالجميل، يقع كذلك في خانة لا تقل سلبية عن شبهة الخيانة. ورأيي الدائم أن أي نقد لهذه السلسلة بالذات لن يؤثر بشيء، مثلاً، سيؤجج (غارات) ميليشا المعجبين أكثر، والتهديد الوحيد الذي يتعرض لمؤلفات أحمد خالد توفيق يأتي من الداخل وليس الخارج، مثل حالة العدد الجديد من ما وراء الطبيعة، ومعه كل معجبي السلسلة أجمعوا على سوءه، ولم يتورّع بعضهم عن توجيه بعض العبارات الجارحة، رغم أن هؤلاء، ربما، كانوا سيشكلون فرقاً محارباً لردّ أي (عدوان) نقدي على المؤلف. ربما ما يُزعج أكثر في مقالات نقدية كهذه، تنتقد السلسلة بهدوء ومنهجية، أنها مخيفة، لأنها كما قلت تُطلعنا على كل العيوب بوضوح تام. ولا أتحدث عن تدوينتي إنما، بالطبع، تدوينة شارب الوغد.
أنا كذلك لاحظت موضوع (الطقم)، أمرٌ غريب فعلاً، هههههه، ربما كما قلت كل هذه الشخصيات تأتي كطقم، مثلاً مذ قليل أثبتنا خط رفيع يربط بين أربعة شخصيات مفضلة لديّ، (وربما لديك؟)، وبالتدريج قد نكتشف الحلقة المفقودة والمعنى السيكولوجي وراء (الطقم).
قدراتك الكتابية ليست متأخرة أبداً، أسلوبك جميل ولغتك سلسة، أريد أن أخبرك أن أسلوبي ليس منظماً كما تقول، لابد أنّك لاحظت التركيبات اللغوية العجائبية وأخطاء النحو والاملاء الموجودة في هذه المدونة، وبالجملة، لدرجة أني أحياناً أشعر أني لا أجيد أية لغة على الاطلاق، لا عربية ولا إنجليزية ولا آآآ... اللاتينية؟ أأأ لا أجيد اللاتينية، ..... احم ; )
مرحباً بك دائماً، تأكد تماماً أن تعليقاتك مصدر سعادة لي. مجرد أن أعرف أن التدوينة مكان مفضل لك هو أمر جميل بذاته، وأن تضعها بجانب (تصدّعت المرآة)، أعتبرها مجاملة عظيمة و (كثير عليّ).
Post a Comment