Tuesday, March 8, 2011

نقطة ومن أول السطر

تمر المناهج المدرسية في مصر بالتاريخ القبطي، وعصر الشهداء، وما يليه، مرور الكرام. المُضحك أن واضعي المناهج لا يجدون حرجاً من الحديث عن آمون ورع وأوزر وبقية "الأصنام"، إنما مسائل كانشقاق كنيسة الاسكندرية عن مثيلتها البيزنطية، ثم الرومية، وتصاعد نفوذ الأولى، وتاريخ تأصّل واستقرار ديانة ابراهيمية، في الأرض والثقافة والهوية المصرية، لا يُتبحّر بها بما فيه الكفاية.
إن "دراسة" أي موضوع، بشكل صحيح، متوازن ومحايد، "تُنضج" أي تعامل مستقبلي للدارس مع الموضوع محل الدراسة، الدراسة تضع أساسا للفهم و"التفهّم".

الفترة من ٦٠ ميلادية إلى القرن الرابع-الخامس الميلادي تكاد تساوي في الأهمية كل التاريخ الفرعوني لمصر الممتد على فترة ٧ آلاف عام. وفي رأيي، هي تزيده أهمية، فالتركيز على فرعونية مصر، كما قلت من قبل، يقع ضمن ميل "استشراقي" لازاحة مصر عن الواقع والحاضر والمستقبل و"فَلْكرتها"، أي تحويلها لنكتة فلكلورية، هكذا يهتم الدارسون التاريخيون بمصر الفرعونية ويهملون مصر القبطية وغيرها من الفترات. فالتاريخ الفرعوني "لا يمس" أي فرد "على قيد الحياة، حالياً" بشكل مباشر. بينما، إن أراد شخص أن "يتواصل" مع جذوره الشخصية فسوف يلجأ غالباً لمصادر "خارج المنهج."

فيكتور هيغو، "غير المتدين"، ينتابه في القرن التاسع عشر قلق كبير تجاه الحال المتردية لكاتدرائية نوتردام، في فرنسا القرن التاسع عشر التي صارت، بحكم الزمن، غير ودودة تجاه الأديان. بلاشك. لا يحرك قلق هيغو أي مسحة تدينية. يؤلف رواية "نوتردام دو باريس" مدفوعا بهذا القلق، محاولا، من خلال الرواية، تنبيه الناس إلى "ترميم" الكاتدرائية وحفظها لأنها تراث، أي جزء من هوية وتاريخ البلد بطبيعة الحال. الرقيب الديني المتشدد -في أوروبا- لا ينتبه للـ"نوايا الحسنة" لهيغو فيضع روايته ضمن القائمة السوداء للكتب الممنوعة بحسب الفاتيكان.

التاريخ الكاثوليكي حقل معرفي هام جداً داخل جامعات كل بلد أوروبي، وغربي كذلك. إنه حقل معرفي وكفى، بعض النظر عن هويات دارسيه، وتوجّهات الدول الأوروبية وشعوبها/مواطنيها. مبادرة هيغو، في القرن التاسع عشر، كانت مبادرة لكاتب/مثقف أوروبي يُعتبر دارساً متبحراً في التاريخ، كتب واحدة من أهم الروايات التاريخية، بغض النظر عن مرجعيّته، يكن احتراماً للتاريخ. ومن يدرس التاريخ سوف يحترم تمثّلاته على الأرض.