Tuesday, May 27, 2014

ذكورة جريحة ونكت أبيحة



سمعت البارحة واليوم حوارات قد تكون مكملة لبعضها البعض، فقد قيل أن سبب خيبة البلد هو خيبة رجالها، وجاء هذا كاستنتاج مباشر لمشهد تمت معالجته درامياً، وإن لم أطلع على بعض الملاحظات والتقارير على الشبكة، لظننت أن الاقبال على الانتخابات أسطوري، أو تاريخي، الخ. واكتشفت أنه ليس كذلك، لقد تم التركيز على مشاهد الاقبال النسائي واستغلالها درامياً - أو اعلامياً- للتدليل على شعبية الحدث الديموقراطي أو شعبية السيسي بما أنه رأس الدولة الليديز-مان مذ 30 يونيو الماضي. من حين لآخر يعبر ببصري منشور لفيديو رقص بلدي لامرأة ما أمام لجنة انتخابية ما، ورغم أنه كان يمكن تفسير تلك المشاهد باقبال المرأة المصرية على ممارسة الحق الانتخابي والسياسي، الخ. إلا أنه في الذهنية العامة جرى تأطيره واحتكاره في سياق لزج ومزعج يستحضر "سهوكة" السيسي وهو ينطق عبارة "الست المصرية" في برنامج حواري ما. مشاهد الاقبال النسائي أمام اللجان هذين اليومين الماضيين إنما هو امتداد لاقبالهن - المُعالج درامياً كذلك- في الاستفتاء الماضي على الدستور. مما يقودنا للاستنتاج أنه تم الربط بين الحدثين، فالنساء لا ينزلن لممارسة حق انتخابي بل لغرض مش ولابد، "الستات نازلة عشان السيسي". وعلى حد تعبير السيسي في أحد البرامج الحوارية - أو لا أدري ماذا- "كدا ح نعمل مشاكل مع الرجالة في البيت"، أليست صياغة الجملة السابقة، مدهشة، ومثالية، وتلخص الكثير من المساخر؟ تحولت العملية السياسية لمشهد مشحون حسياً، ربما مذ أول مرة وُصف فيها السيسي أنه دكر، أو أن الشعب محتاج دكر، أو أن مصر بلد عايزة ولد، وخلافه. 

لقد عايش السيسي كرأس دولة، وأكبر راس في الجيش - ودكر البلاد المفدّى - ورئيس الجمهورية القادم مسرحية تحويله إلى تيس، والانتخابات عرس ديموقراطي أو حفلة تيس كبيرة، إنه لا يترشح ولا يريد أن "يمسك" البلاد في مهمة سياسية أو هذا الهراء، بل سيفعلها - وقد قال أنه سيفعلها- لأنه الدكر الوحيد والمستحق والألفا-ميل، إن تأييد النساء له قادم من واقع أنه الدكر وأنه أيقونة حسية وليس موظف في الدولة. ولا يمكن تأويل التأييد له بأي شكل آخر، إنه لا يتخذ شكلاً سياسيا، ولا بيروقراطيا. 

وكما نعرف، أحد الأدوار التي تضطلع بها الدولة المصرية هي حقها في التدخل في "الأحوال الشخصية" لمواطنيها، لديها الحق لكن ثمة اتفاق ضمني بينها وبين المواطن الكامل - أي الذكر، المسلم، البالغ الرشيد- بأن هذا لن يحدث أبدا، فلن يجري التعرض لحريمه إن بقين داخل النطاق الخاص، أما في النطاق العام فلا يلومن إلا نفسه، رغم أن قانون الأحوال الشخصية ركن ودعامة لا تتزعزع من التشريع - وهيكل الدولة - وكيان المجتمع المصري، فهو موجود عموماً ليستمد منه المواطن الكامل شخصيته - التي هي على مثال الدولة، ذكر مسلم بالغ رشيد. أو بطريارك.

 في التكوينات العائلية التقليدية، يتبع خرف الأب قدرات تحكمية أكبر للأم، وفي حقبة التسعينيات المريرة - إلى جانب الخصخصة، والبلاوي الأخرى، التي جعلت الرجّالة يقعدوا في بيوتهم، والشباب من الذكور يقعدوا ع القهاوي - فكأنه كان ناقصنا، قررت ماما سوزان عمل بعض الاصلاحات النسوية الهيكلية، من أعلى لأسفل، من قبيل، الشقة من حق الزوجة، والخلع، والحاجات دي. والعياذ بالله، والأشياء التي تطورت إلى كوتة المرأة في البرلمان، ذاك الذي دفع معلّق ما، في برنامج ما، لا أذكره، أنهن "مطفّحينا الكوتة"، وكمان عايزين كوتة. 

وهكذا، فأن الأحوال - في نطاق الأحوال الشخصية - قد تنقلب رأسا على عقب أو تتغير وذلك بحسب وضعية الدكر الأعلى أو رأس الدولة، فأن بدأت قبضته ترتخي فقد يحدث ما لا تحمد عقباه، كان أول شيء سمعته بعد فوز مرسي  - والاخوان - برئاسة الدولة، وذلك من مدير في العمل، يخاطب الزميلات قائلا أنهم ح يقعّدوهم ف البيت، و ح يخلونا نتجوز أربعة. 

بالنسبة للذكر المصري المعتاد، فإن التدخل في النطاق الخاص -البيت- يعد خطا أحمر من المحرمات، قانون الأحوال الشخصية موجود لحمايته من المساءلة في حالات العنف الأسري وغيرها، بالطبع، الدولة لا تتدخل أبدا، ولم يحدث أن فعلت، ولكن أكثر ما يدهشني هو تلك القناعة، ذلك الاستعداد الباطني والدفين، القابع هناك في غياهب أو أعماق العقل الواعي أو الباطن للرجال المصريين أن الدولة قد تتدخل في أحواله الشخصية - وأن هذا إن حدث - فلا مردّ له. إنه شأن وارد جداً، بشكل يجعله يتخيل في الحال، ما أن تتغير السلطة، وبحسب توجهاتها، أنه ثمة تغيرات جسيمة سوف تطرأ على "البيت"، وشكل الأسرة، وقد يستبشر أحياناً بهذا. لا نستطيع القول حقاً أنه "يرحب به"، بل هو يعتبره وارد، من باب أنه حق تضطلع به الحكومة، وذراع الحكومة قد يمتد لهذا المكان. 

هذا يعيدنا إلى الجملة التاريخية "كدا هنعمل مشاكل مع الرجالة في البيت"، ليس فحسب أن السيسي - عفارم عليه - يذكر هؤلاء النسوة أنه ثمة بيت، وأنهن لهن رجالتهم، بل أن المشاكل قد "تحصل جوة البيت" بسبب تأييدهن له، ليس أنهن قد قررن ممارسة حقوقهن السياسية كاملة، هذا كله مجرد، وجهة، قشرة تافهة ورخيصة، وما يحدث فعلا أن النساء منجذبات له، وماذا فعل رداً على هذا؟ الاستلطاف متبادل، السيسي يطعّم تصرفاته بلمحات رومانتيكية تجاه "الست المصرية" أو ستات مصر، وهو شيء دخيل على التخيل المصري القديم للذكورة، فالدكر، رأس الدولة، العسكري، والحمش، هو العنيف مع النساء، الذي لا يخاطبهن، لأنه لا يراهن، واذا رآهن، فهو يستبعدهن من مجال رؤيته فوراً. أما السيسي فهو يرى، بل "يبحلق" أحياناً. ولا يبحلق بحلقة عنف، تحرش، بل "سهوكة" والعياذ بالله، شيء يستحضر إلى الذهن المصري، أشكال ضالة، مثل مهند، وتامر حسني، وسومة العاشق كذلك - عبرت بي كومكس تماثل بين لغة جسد السيسي وسومة العاشق-

إن رؤية هذا الدكر، رأس الدولة، للنساء، ينتقص من صورته الكاملة، هذا يضعه معهن في مستوى "مادي" واحد رغم أنه من المفترض أن يكون "فوق الجميع" مثل تجسّد ظاهراتي. إن مجيء هذا المخلوق المشوه الذي "يجذب النساء" ويتلطف في الحديث معهن ويتسهوك يمثل تهديدا مريبا، مع تصريحاته التي تطال البيت، وما يخبئه الزمان من تشوهات وفوضى بسبب التغير المحتمل للأحوال الشخصية أو الأحوال في البيت. والذي حدث أن النساء فجأة صرن مرئيات، إنهن مرئيات بشكل لا يحتمل، في الشارع بالذات، ويرقصن، أدى هذا لقناعة مبدئية، أن اللي مخيّب البلد خيبة رجالها، وقد جرى الاستدراك بعد ذلك أن الخيبة ليست أصيلة في الرجال أنفسهم، بل لأن الستات "كتير" جداً. أكتر من الرجال. هذا مرعب، البارحة واليوم يكتشف المصريون أن الستات كتير. وأن الستات فقط هن من نزلن لينتخبن السيسي، وقد جاء التساؤل "وهل يصح أن تنزل الستات ويجلس الرجالة في البيوت؟" وقد جاء الرد، بل أن النسوة فقط من ذهبن لينتخبنه لأنه، وهذه الجملة لم تأت تقريرية، بل في صيغة سؤال "وهو دا راجل عشان الرجالة تنزل تنتخبه؟"

النساء المرئيات لسن نتيجة مباشرة لمجيء السيسي، أو لأجله، بل لعدد من التطورات في السنوات الثلاثة الماضية، ولكن للأسف، هذه الظاهرة تزامنت مع ظاهرة السيسي بشكل ضرب صورته كالدكر المثير لاعجاب الرجال المصريين. لا أظن أن الجرح الذي أصاب الذكورة المصرية سببه جاذبية السيسي للنساء، أو خروج حريمهن على الملأ للرقص. هؤلاء النسوة المرئيات اللاتي خرجن للانتخاب - سواء السيسي أو حمدين، فليس ثمة دليل مادي على أن كل تلكم النسوة خرجن لانتخاب السيسي فقط - سوف يصنعن القرار وسوف يجلبن السيسي لرجالتهن في البيت والعياذ بالله، فهكذا جرى معالجة المسألة درامياً. إن الشعب المصري متدين بطبعه، ولابد أن مشاهد أخروية مريبة مثل كثرة النساء - المرتبطة بآخر الزمان- قد زادت من بلبلة الذكر المصري التقليدي، المتحرش والشكّاء وضعيف الثقة بنفسه، وبمن حوله، وبحريمه، وبالرجل الكبير كذلك، أليس هذا الرجل الكبير؟ ألم يكن ذلك هو الدكر؟ ما الذي حدث له؟ إن البلبلة شأن مفهوم، ومتوقع، فالمخلّص تتحلّق حوله النسوة، فهل هو المخلص أم المسيخ الدجال والعياذ بالله؟* 

لا أشك أن المشهد المصري العام الذي قد اختزلته في عبارة "ذكورة جريحة ونكت أبيحة" يقدم تفسيرات أقل اسخاتولوجية مما سبق، فالبلاد تعاني من أزمة عويصة، مؤلمة، صعبة، عصية على الحل، مذ هاشتاغ "انتخبوا العـ**" وتلك الكتابة التي أراها على جدار جامعة الأزهر "كل حاجة من الصين ما عدا الرجولة من رابعة".. وحتى معدلات التحرش التي وصلت لـ99%، بشكل لا يسعنا معه إلا المطالبة، على طريقة اللمبي: يا تعالجوا الذكورة الجريحة يا تبطّلوا النكت الأبيحة. فإن كان ارتباط هذه المرحلة بكون النساء مرئيات، جعل مرئيتهن تأوّل كنتيجة مباشرة لوجود السيسي، فإنه يجعل هذا الظهور، أو الوضوح، أو الحالة المرئية، سلبية للغاية، مشينة، جالبة للعار، بشكل يساوي بين هؤلاء النسوة حوله وبين السافرات من الممثلات والمغنيات وسيئات السمعة المؤيدات له - وذلك بعد حقبة أم أحمد وأم أيمن. إن مجيء السيسي ليس عودة لزمان سوزان بل زمان آخر كرب ومرعب تكون فيه النساء ظاهرات بأشكال "فضائحية مبتذلة" لم يشهدها الشارع المصري قبلا مثل الرقص أمام اللجان الانتخابية. وكما جرى تقطيب المعركة من قبل، ذكر مقابل عديم الرجولة، ودكر تطلبه الجماهير، فأنه من المتوقع تماماً أن يتم استيعاب هذه الجماهير في الإسكتش نفسه، وقد جرى استخدام الوجود النسائي بشكل حرفي، خرج من نطاق الميتافور والرمز والنكتة الأبيحة والاستظرف، إذا كانا اليومين الفائتين كأنهما كابوس مشوه ومخيف لنكتة باسم يوسف عن "جماهير"، لقد تم اختزال المنظر في جماهير عريضة من النسوة الهائمات في شخص ذكر ما. وهذه التخيلات التعبانة لم تحدث نتيجة للواقع على الأرض، بل لأنها كانت موجودة سلفاً ككليشيه ممجوج حاضر في الأذهان من زمان.