Saturday, September 18, 2010

千と千尋の神隠し (2001)


أو Spirited away، ويمكن ترجمتها إلى: المخطوفة، ولو أردنا عنواناً أقل درامية، فليكن: رحلة تشيهيرو، فيلم ياباني شهير من انتاج ٢٠٠١، حقق نجاحاً جماهيرياً واسعاً، سواء علي المستوى الشعبي أو النقدي، فاز بأوسكار أفضل فيلم رسوم متحركة لعام انتاجه. وهو من اخراج الياباني هاياو ميازاكي.

 الحكاية
الفيلم يدور حول تشيهيرو، الطفلة التي يصحبها والديها إلى مكان يحوطه دغل، مساحة خضراء مهجورة تجاور مبنى قديم، رغم تخوف تشيهيرو المبدئي من المضي قدماً إلى هذا المكان، تصحب والديها، ويتوقف هؤلاء عند مطعم مهجور، وهناك يتناولا طعاما معدّا للتو (رغم عدم وجود أي طباخين أو قائمين على المحل)، تشيهيرو ترفض تناول الطعام، وتذهب لتتجول بعيداً، وتصعد جسراً مطلاً  على نهر ظهر لتوه وبحلول الليل، حيث تلتقي بفتى يكاد يماثلها عمراً، وهذا يحثها على المغادرة بسرعة قبل حلول الليل، تعود تشيهيرو إلى موضع المطعم، لتجد خنزيرين يأكلان، مكان والديها، وقد امتلأ المكان، والمطاعم التي تجاوره، بأطياف داكنة تتجول.

تركض تشيهيرو إلى حافة النهر، وقد وجدت أن جسدها أصبح (نفاذاً أو طيفياً)، وهناك تجد قارباً يقل عدد من المخلوقات الغريبة، تتطور الأحداث، وتكتشف تشيهيرو أن هذا المكان هو حمام عمومي مخصوص للأشباح، وكي تستعيد والديها مجدداً، عليها أولاً أن تعمل في هذا المكان، كي تتاح لها الحركة بحرية.

وبمساعدة الفتى، الذي التقته في البداية، واسمه (هاكو)، يطعمها أولاً بعض الكرز الذي يعيد إليها مادية جسدها، ثم تذهب تشيهيرو إلى (يوبابا)، الساحرة التي تدير المكان، وتوقع معها عقداً كي تعمل فيه. يقتضي العقد أن تسلب يابابا اسم تشيهيرو، فيصير ملكها، وهكذا تخدمها تشيهيرو للأبد، وتمنحها بدلاً منه اسماً آخر هو : سين.

وتكتشف بطلتنا أن الأمر ذاته قد حدث مع (هاكو)، فهو لا يذكر اسمه، ولو فعل، لتحرر من قبضة الساحرة يابابا، لكنه لسبب ما يتذكر اسم تشيهيرو كأنه يعرفها مذ الأبد، وينصحها أن تظل متمسكة بذكرى اسمها، ألا تنساه أبداً وإلا لن تخرج من هذا (المكان)، إلى عالم الأحياء/البشر مجدداً.

تشيهيرو الطفلة المدللة تجد صعوبة في مزاولة الأعمال التي يزاولها أصلاً عدد كبير جداً من (الأشباح/مخلوقات أخروية غير آدمية)، وفي البداية تجد رفضاً، وتقليلاً من قدراتها، كما أن هنالك (كيان) شبحي غريب، يقف وحيداً ويبدو أنه يتبعها إلى كل مكان، في أول ليلة لها للعمل في الحمام، تسمح له بالدخول.


يزور الحمام في هذه الليلة ما يبدو أنه، كما يسمونه في الفيلم، (روح نتنة الرائحة)، يتخذ شكلاً كريهاً ويرفض كل العاملين في الحمام مساعدته، إلا أن الساحرة يوبابا تسمح له بالدخول، فهو، في كل الأحوال، زبون آخر يجب معاملته باحترام ولطف. لكنها تكلف تشيهيرو (الآدمية وسط الأشباح)، بالقيام على خدمته، وهو ما تفعله على أكمل وجه بعد أن حصلت على (بطاقات) خاصة، كثيرة العدد، تستطيع بها جلب مياه (معطرة)، وهذه البطاقات كان قد منحها إياها (الكيان) الشبحي الغامض، بعد أن سمحت له بدخول الحمام.

تتطور الأحداث لنكتشف أن هذا الشبح ليس كما يبدو، إنما هو (كامي/روح طبيعية قوية)، روح النهر، وهو شبح قوي وثري وترك وراءه ذهباً لعمال الحمام، واختص تشيهيرو لصبرها واتقانها عملها بعشبة/نبتة كروية معالجة.

تظن تشيهيرو أن هذه النبتة سوف تمكنها من استعادة والديها، أو تحويلهما مجدداً إلى بشر بعد أن صارا خنزيرين، وبينما تكتشف أن (هاكو)، هو تنين متحول، وأنه مُطارد من مجموعة من الطيور التي آذته، تدعه تشيهيرو ليدخل إلى المبنى، ويحتمي من هذه المخلوقات، وتكتشف أن الطيور مجرد وريقات، إنما هي تحت تأثير الساحرة (زنيبا)، الأخت التوأم للساحرة يوبابا، والتي على علاقة سيئة معها. وقد سرق (هاكو) منها أداة سحرية قوية، وجزاء له، فإن السحر الحامي لهذه الأداة سوف يتسبب في قتله.

تبدي تشيهيرو اهتماماً عظيماً بـ(هاكو)، الذي ينزف الآن حتى الموت، وتقرر أن تذهب إلى بيت الساحرة (زنيبا)، لتعيد إليها أداتها السحرية وتعتذر عن هاكو، علّه يُشفى، والجدير بالذكر أن تشيهيرو تضحي بنصف العشبة المعالجة التي حصلت عليها، وتطعمها لـ(هاكو) كي يتعافى جزئياً، وإثر هذا فإنه يلفظ الأداة السحرية التي كان قد ابتلعها وهو في وضعية (التنين)، ومعها (دودة) سوداء، تظن تشيهيرو أن هذه هي التعويذة الحامية للأداة، وتدهسها.

في هذه الأثناء الحمام يعاني من تطورات خطيرة، فقد تحول الشبح عديم الوجه إلى وحش، وبدأ - بعدما تطبّع بجشع العاملين في الحمام- يسألهم الطعام الكثير، ويعرض على تشيهيرو بعض الذهب كي يكسب ودّها، لكنها ترفض وتتركه لتنقذ (هاكو). يُثار الوحش غاضباً ويأكل اثنين من خدم الحمام، ثم تستدعى هيشيرو مجدداً كي تخلصهم من هذه الورطة، (الوحش)، تتصرف تشيهيرو بذكاء، وتضحي بآخر ما تبقى من العشبة العلاجية بوضعها عنوة في فم الوحش، وهذا يلفظ كل ما ابتلعه، بما في هذا الأرواح التي التهمها.

يتبعها خارجاً من الحمام، وهنا، كما توقعت تشيهيرو، يعود إلى طبيعته الهادئة المسالمة من جديد، ويصحبها في رحلتها إلى الساحرة (زنيبا)، وهناك تكتشف تشيهيرو أنها شخصية معاكسة كلياً لأختها الجشعة، فهي تسكن منزل ريفي بسيط، وتعاملها بلطف (كجدّة)، وتخبرها أن، في الواقع، هذه الدودة التي خرجت من أحشاء (هاكو) إنما كانت السحر الذي سلطته عليه يابابا لتتحكم به، وأن هذا السحر تلاشى تحت تأثير قوة حب تشيهيرو لـ(هاكو).
 الفيلم ينتهي نهاية سعيدة لتشيهيرو، بعودتها مجدداً إلى والديها، بعد أن نجحت كذلك في آخر (اختبار) تضعها فيه الساحرة الشريرة (يابابا). وكذلك بعد أن تحرر (هاكو) للأبد من قبضتها، لأنها تذكرت اسمه الحقيقي، فـ(هاكو) هو (كامي/روح النهر)، وقد وقعت حادثة لتشيهيرو في طفولتها، اذ كادت تغرق في هذا النهر لكنها ارتفعت مجدداً إلى السطح لسبب مجهول. تقول لـ(هاكو)، ببراءة، معللة : أنت أنقذتني وقتئذ، كنت أعلم أنك شخص صالح.


الميتافور
في الفيلم معالجة رائعة للإرث الشنتوي الياباني، من التحليلات التي ذكرت أن الفيلم، ببطلته طفلة العشر سنوات تشيهيرو، تجسيد لمرحلة البلوغ، حيث تنتقل الطفلة من عالم الطفولة إلى عالم الراشدين، حين تفقد اسمها/هويتها الطفولية، عن طريق (عقد) توقعه مع (ربّة) عملها، الساحرة يوبابا، وربما لهذا اشارة إلى انخراط البالغ في (المجتمع) المنتج، ليعمل سعياً وراء الرزق، تاركاً وراءه أي أحلام أو لطف طفولي. وهنالك تحليل آخر، أن تشيهيرو هي ميتافور لليابان الحديثة، أو لنقل، ربما تشيهيرو هي ميتافور للجيل واي الياباني، المنفصل تماماً عن ماضيه/تراثه الياباني التقليدي والخائف منه، نذكر خوف تشيهيرو المبدئي وعزوفها عن المضي قدماً لاكتشاف الدارة القديمة. والواقع، رؤيتي قد تقترح أن المخرج يأمل في جيل ياباني ذو مستقبل أفضل، عن طريق تفهمه ومعاودته التواصل مع تراثه القديم، فنحن نلاحظ في الفيلم عدة اشارات ذات معنى، الأبوان لا يمانعان في تناول طعام دون اذن، فقط لأن الأب معه (بطاقات ائتمان) وسوف يدفع المستحقات فيما بعد، ونحن ندري أن (الأخلاق العائلية)، والتهذيب تجاه الغرباء، مباديء وأصول معنوية مهمة في اليابان، هنالك اشارة أخرى، إلى أن الجيل الجديد، أو الجيل واي، يفتقد كذلك للتهذيب، تشهيرو أكثر من مرة في الفيلم تغفل عن شكر من يقدم لها مساعدة، تبدو كمن غير معتاد أبداً على هذا، ونحن نشعر أن مسألة شكر الآخرين واظهار الاحترام لهم، مهمة جداً في هذا (العالم/الجانب الآخر) الذي تنتقل إليه تشيهيرو. وهنالك الخدم مهذبون تماماً مع الزبائن، والساحرة المديرة للمكان تستقبل (الروح المنتنة) رغم أذاها، فقط لأنه زبون آخر ويجب معاملته باحترام.

لكننا نلاحظ شيء غريب، هذا العالم الروحاني، أو الجانب الآخر المظلم، والذي ربما يمثل كل التراث الشنتوي، إرث الأجداد لدى اليابان، هو في الحقيقة عبارة عن مؤسسة رأسمالية، تدار بواسطة محتكر جشع وقاس وشرير ممثل في ساحرة عديمة الشفقة أو الرحمة، تستغل طفلة صغيرة في العاشرة فقط لأنها تجد الأمر مسلياً. والأرواح/المخلوقات التي تعمل لديها تفتقر إلى التراحم أو الطيبة فيما بينها، بل أنهم يحقدون على بعضهم بعضاً، ومتعطشون للذهب، وربما في هذا اشارة إلى عدائية تراث اليابان تجاه نفسه، في الثقافة اليابانية، الحمام هو مكان للتطهّر الطقوسي، لكننا نجد الأشباح تأتي إليه لتأكل بنهم، وتستحم وتحصل على ما تريد من رفاهية وخدمة، كأن القيم الرأسمالية النفعية بدأت تتسلل إلى التراث الياباني. والشبح/الوحش (عديم-الوجه) يتحول إلى كيان شرير وجشع، قادر علي تقديم الذهب، يأكل غيره من الأشباح، حين يدخل الحمام فقط، (وهذا ما تدركه الطفلة تشيهيرو وتصلحه)، في حين أنه يعود إلى طبيعته الهادئة المستكينة حين يخرج منه، وحين ينتقل إلى المكان الآخر عند الأخت التوأم لـ(يوبابا)، والتي تعيش في منزل هاديء، بينما يقتصر نشاطها الانتاجي على الحياكة (صورة تقليدية قديمة لجدّة طيبة)، واستقبال الضيوف ومعاملتهم بلطف وتقديم الشاي لهم. خلاف النشاط الرأسمالي الجشع الذي تمارسه أختها الأخرى.

ربما يشير الشبح (عديم-الوجه) إلى الخطر الأخلاقي المحدق بمجتمع على مشارف هاويته الثقافية، في حين يبدو في الفيلم - بلا تنظيرات تحليلية- في البداية كشبح هاديء لا يستطيع أن ينسى مساعدة تشيهيرو ولطفها معه، فيصبح مهووساً بها، يداوم على تقديم الهدايا لها، وحين يدخل إلى الحمام، ذلك المكان المتفسخ والُمكدّس بكل صنوف المباهج المادية، البعيد كل البعد عن أي طابع روحاني قد يميز التراث الياباني، يتحول إلى وحش، حتى في محاولته لكسب ودّ تشيهيرو، وهو لا يعود إلى طبيعته (المسالمة غير الخطرة) إلا حين تصطحبه تشيهيرو بنفسها على متن القطار إلى الجانب الآخر، وتدعه مع أخت يوبابا الطيبة، ليساعدها في الحياكة.

"لبارونة بلاد العجائب علاقاتها في اليابان"
من تعليق طريف في الـ(Imdb)

الفيلم بلا شك هو (fairy tale) بمقاييس ديزني-زمان، أيام بينوكيو، الجميلة والوحش، سندريلا وبيضاء الثلج، ويحمل  الكثير من المعاني الحالمة، مثل تلك الاشارة إلى انحلال التعويذة التي كانت تقيد (هاكو)، بسبب مشاعر تشيهيرو وعواطفها الطيبة نحوه، أو الاشارة حين يجتمع كل من، أخت يوبابا، الشبح عديم الوجه، وأصدقاء تشيهيرو الآخرين لحياكة ربطة شعر لتشيهيرو، والتي سوف تحميها لأن : أصدقائها صنعوها لها.

تشيهيرو في الفيلم تبدو كأنها (خير مطلق)، إنها منيعة على كل شيء، فهي التي تصد عن زملائها العاملين في الحمام بطش عديم الوجه، والجميع يتحول في النهاية إلى صديق لها، تشيهيرو، رغم أنها الآدمية، الطفلة، والغريبة تماما عن هذا العالم المشعوذ، هي الساحرة الحقيقية، حين تحوِّل الجميع ليصيروا في صفها، بطيبتها المطلقة، وحسن نيتها. وربما علينا أن نذكر أن معنى اسم تشيهيرو هو (ألف سؤال)، ربما لهذا اشارة إلى سن تشيهيرو (١٠ سنوات)، سن الأسئلة والرغبة في الفهم. أما (هاكو) فيعني أبيض أو نقي.

لاشك أن بالفيلم بعض مسحات (آليسية)، مما يجعل (تشيهيرو) تنضم إلى طاقم البراءة الخاص بي : آليس من بلاد العجائب، سكاوت فينتش من رواية أن تقتل طائراً محاكياً، آلكزندريا من فيلم السقطة.

No comments: