Monday, November 21, 2011

العار

يتعلّق العار بالآخر. يحيّد الإنسان نفسه عن الآخر كي يتجنّب العار. والعار مرتبطٌ بالفناء، وهو أقرب للموت من الحياة، العار البدائي، عار الأخ القاتل وهو يدفن أخاه لمداراة سوءة كليهما، العار المتعلق بحرمة الموتى المنتهكة، العار الذي يؤخّر الفارّ عن الفرار ليتقهقر ويدفن موتاه. 
وكي يتجنبه سوف يرتكن الإنسان لنفسه ركناً بعيدا عن أخيه وسوف يولول على الحجارة التي تتهدم والممتلكات التي تضيع منه وسوف يرتكن لصنمه ويبكي على صنم يتهدّم ولن يبكي على تمزّق اللحم الحي وسفك الدمّ ومقتل الآخر -الأخ - الشريك في الإنسانية، فالإنسانية تتطلّب قدرا ليس قليلا من المشاركة، والانسانية في جوهرها فكرة/معنى التحلّي بروابط مع الغير، والمشاعية. وحين يغرق الفرد أكثر فأكثر في عالم من حدوده الشخصية المكللة بممتلكات، وأشياء ليس مستعداً لفقدها، سوف يبتعد عن الإنسانية في صفائها، وسوف يتولّد لديه احتقار تجاه "هؤلاء الذين لا يملكون شيئا ليخسروه" أو "هؤلاء المنفتحون على الآخر" أو "المستعدون للتنازل عن ملكية شخصية في سبيل حق جماعي.." فهؤلاء هم "المجانين" أو "المجذومون"، والعداوة تجاههم تبلغ مبلغاً "وحشياً" فـ: "ليموتوا جميعاً"، "لتذهب سفينة الحمقى إلى الجحيم"، "اضربوهم بالنار.."

العار هو العتبة الأخيرة قبل أن نصير مسوخاً وقبل الفقدان التام للإنسانية، وما يفعله الفرد إلا محاولة لتجنّب الإحساس به نهائيا بتخديره وقتله، برفض الاعتراف بمشاركة الآخر- بمصير مشترك، بقيمة حياة، لقد تخدرنا ولا أدري إن كنّا تخطينا العتبة الأخيرة قبل ألا نعود بشراً، وأنا أشعر بالعار ولكني في مرحلة متأخرة منه، فلم أعد بشراً، مثل كل المسوخ لن أموت ولو بالرصاص، سوف أشعر بدرجات لونيّة متعددة من العار.

لقد فُرّغت الإنسانية من معناها، فلن أطلب من أحد أن يفكّر أو ينظر أو يسمع أو يعقل أو يفعل أو ينزل أو يطلع أو يذهب أو يجئ أو يقول أو يصمت، لن أطلب أكثر من أن يشعروا جميعا، أن نشعر جميعنا بالعار لآخر مرة.