Saturday, May 25, 2013

المتحرش المعبّأ سياسياً - ٢




الاستخدام  السياسي للتحرش يستلزم حشداً للمتحرشين، أي "تعبئة" للمتحرشين لأجل ارتكاب الفعل، مع كل الآثار النفسية التي تحدثها حالة "التعبئة" أو "التنظيم" في جمع من الناس: التعاون، التكاتف، الدعم الضمني الذي يمنحه كل فرد في هذا "الجمع" لغيره، ما يعظّم هذه الحالة أنه جمع "متجانس"، كله من الذكور، بنفس الظروف والحالات، تكونت فيما بينهم "رابطة" نفسية لحظية في مكان ووقت معين، لأسباب معينة، هو اذن جمع من الذكور، مُشابه للمجتمعات الذكورية التي يتولّد داخلها مقت لكل ما هو مخالف  لهويّتها الجمعية المتخيّلة، مثل مقت كل "نوادي الفتيان" للدخلاء من الفتيات، تتراوح ظاهرة نوادي الفتيان من مقت العسكر والجنود للنساء  المؤدي للعدوان عليهن سواء في أوقات السلم أو النزاعات المُسلّحة، إلى عدوان مُجتمعات لاعبي الفيديو الذكورية على امرأة "دخيلة" تحاول انتقاد الألعاب. الغرض السياسي من استخدام التحرّش هو التشديد على "الآبارتهايد الجنسي" أو الفصل الجنسي بين النساء والرجال، يتم طرد النساء من أماكن أو تجمّعات معيّنة لأنها "ليست أماكن للنساء"، لكن النساء يتواجدن يومياً وبحرية في الشارع المصري منذ مئات السنين، كيف يمكن اذن حل هذه المعضلة؟ الحل هو عملية "حشد" ذكوري بما يخلقه هذا من "كتلة" تؤمن فيما بينها أنها تستحق وحدها احتكار "الفضاء العام"، هو نفس تأثير الحشد/التعبئة/التنظيم السياسي الحزبي أو الآيديولوجي - لم يك لينجح هذا الحشد دون الكارت الأبيض للتحرش الذي تمنحه السلطة أو الأجهزة الأمنية، سواء بالتغاضي عن الفعل أو بتشجيعه أو باعطاء الأوامر الصريحة بارتكابه(*). مثل الكارت الأبيض الممنوح ضمنيا للجنود -من قِبل القادة العسكريين- في أوقات اجتياح المدن.

ينسى البعض أن حوادث التحرش لغرض الارهاب السياسي تقع في "الفضاء العام": الشارع، وحالة الحشد بين الذكور المتحرشين لا تُنسى بسهولة ولا تتلاشى آثارها النفسية متى ذهبت النية السياسية، بعد حادثة التحرش بالصحافيات في ٢٥ مايو ٢٠٠٥ أمام نقابة الصحافيين - وسط البلد- أبدى الجميع  حيرةً واندهاشا من حوادث التحرش الجنسي الجماعي شبه المنظم في عيد الفطر ٢٠٠٦  بمناطق متفرقة بوسط البلد. رغم أني أميل للربط بين الحادثتين.

 استخدام التحرش الجنسي كأداة سياسية - بالاضافة للأمثلة السابقة، التحرش الجماعي في ميدان التحرير نوفمبر ٢٠١٢ و يناير ٢٠١٣ وغيره -   قد انتقل بالمتحرش من مرحلة ارتكاب الجريمة ﻷنه يأمن العقوبة إلى ارتكابها وهو متأكدٌ أن هذا ما يريد فعله الرجال الآخرون في المكان، عزوفهم عن التحرش لا يُفسّر كالتزام أخلاقي بل لأنهم يفتقدون  الكارت الأبيض، الذي مُنح لـ"بعض" الرجال في "بعض" المواقف من قبل السلطة لخدمة "بعض" الأغراض سياسية. تكرار استخدام التحرش لأسباب سياسية  يقوّي الأثر النفسي لعملية الحشد السياسي المؤقت أو الدائم لعدد من المتحرشين، لقد تمت شرعنة العنف للأبد، وأصبحت حالة الحشد ممكنة وجاهزة وحاضرة سواء في اطار سياسي أو مع انعدام الاطار السياسي.

يُقابل هذا افتقاد النساء المتزايد لأي نوع من الحشد سواء كان اجتماعيا أو سياسيا أو نفسيا فيما بينهن، فالآثار النفسية للكارت الأبيض تعدّت التضامن بين المتحرشين من الذكور إلى مرحلة الضوء الأخضر للتجمع والاحتشاد لأجل التحرش جماعياً بأي مظهر من مظاهر "التنظيم/التضامن/التجمّع/الاحتشاد السياسي" بين النساء وبعضهن البعض، أوضح أشكال هذا ظهرت في حادثة التحرش الجماعي بالمسيرات النسائية بالتحرير في يوم المرأة العالمي ٨ مارس ٢٠١١.  قد يملك البعض رفاهية التصريح بأن "الاستخدام السياسي للاعتداء الجنسي على النساء" هو أحد "مظاهر المشكلة" وليس سبب لها حين يعقب هذه الحادثة مباشرة، أي في ١١ مارس ٢٠١١، كارثة كشوف العذرية.

التفرقة بين النساء وبعضهن البعض قديمة للغاية، فكما هنالك تفرقة طبقية هنالك تفرقة بين المرأة "العلمانية المستقلة" وبين المتدينة، فالمحجبة مختلفة عن غير المحجبة إلى درجة العداء، والمنتقبات ينتمين إلى "طبقات اجتماعية" مُهمشة و"بيئة" و"همجية" بينما التي تكشف شعرها تملك رفاهية الذهاب لمصفف الشعر يومياً، تصل أدوات البطريارك للتفرقة بين النساء وبعضهن البعض لمستوى "اقليمي"، فهنالك اهانة مستمرة وتصغير وتحقير للمصرية وحجابها أو سفورها مقارنة بغيرها من العربيات.  بشكل عام، هنالك "تفرقة" وتمييز وتصنيف وابتكار لأنماط وصفات عجيبة خرافية لأنواع مختلفة من النساء ليست موجودة إلا في رأس البطريارك أو المثقف المتحرش، وهذه تخدم غرضا وحيداً هو "اقناع النساء" أنفسهن وجعلهن يؤمّن بأن ثمة فروقاً غير متهاونة بينهن، لا يمكن المصالحة بينها أو اذابتها. إلى درجة أن يمارسن هن أنفسهن العنف النوعي (gender-based violence) ضد بعضهن في أماكن "الآبارتهايد الجنسي" مثل عربات المترو.

الملحوظ في حوادث التحرش الجماعي أن "الحشد" ينفرد في النهاية بامرأة واحدة فقط، الحشد يتوجه ليفصل امرأة واحدة عن المجموعة التي كانت تقف وسطها، يتم انتزاعها بعيداً، حتى في حالات الاعتداء علي المسيرات الجماعية للنساء، يبدو لي أن هذا الحشد "يفقد برمجته" حين يُواجه "بتجمّع نسوي" قوي ومتماسك، فهو عاجز عن ممارسة ارهابه اذا النساء احتشدن في المكان ولم يتفرقن. وقد يزول بالكامل، ويزول عنفه و"كارته الأبيض" وتعبئته السياسية اذا وُوجه بحشد نسوي "معبّأ" بالمثل.

Saturday, May 4, 2013

المثقف المتحرش - ١

أشعر بالاحباط من نفسي، كلما تذكّرت أو رأيت أو قرأت، أو عاودتُ القراءة، عن فتاة التحرير -في أحداث مجلس الوزراء، ديسمبر ٢٠١١- تدمع عيناي. وهو انزعاج من هذه الهشاشة تجاه الرمزيات، ظروف العنف النوعي (gender-based violence) الذي تعرضت له فتاة التحرير تحمل ثقلا رمزيا/وطنياً لم يتواجد في أحداث أخرى لا تقل بشاعة- مثل كشوف العذرية، مارس ٢٠١١- أو حتى الاعتداء على الصحافيات من قِبل بلاطجة النظام في مايو ٢٠٠٥. في دراسات العنف ضد المرأة في فترة الأزمات والنزاعات السياسية أو المسلحة هنالك رأي - أتفق معه- أن العنف الجنسي الموجه ضدهن المقصود به اهانة واذلال الهوية الوطنية - لقد وقعت في نفس الاختزال الرمزي، الاعتداء على جسدها تم استعيابه فكرياً كاعتداء على مفاهيم جمعية ميتافيزيقية من قبيل الشرف والوطن والقومية أو حتى الثورة نفسها. هذه المشاعر قادمة من نفس المكان الذي أتى منه العنف الجنسي في المقام الأول. هذا نزع لآدمية الضحية، تشييئها، وتحويلها إلى امتداد للهوية المركزية التي هي هوية الذكر، أو ملكية له. في هذا الفكر نفس السلبية الناعسة في تعبيرات مثل "مصر أمّ الدنيا".
و يتوازى مع التنميط القديم أن الذكور همّ المكلّفين بحماية "نساء الجماعة"، أو الوطن. إن العنف الواقع عليهن عارٌ لأنه يستهدف شرف الذكر حين لم يتمكن من حمايتهن. وليس لأنه جريمة في حق إنسان كامل الأهلية. مستقل تماماً عن غيره. هذه المونولوغات المختلّة تصل إلى مداها، ليس فحسب في الرمزيات المتبادلة بين نحن والعدو. حيث أن الاعتداء على "حريم" العدو هو تجريد للعدو من "فحولته"، والعكس صحيح. بل حين يتخذ البطريارك - ومن يقع في دائرة نخبته- "فانتازيا" منحرفة عن الجماهير. الجماهير الهستيرية، غير العقلانية، فاقدة الأهلية، التي تحتاج لوصاية، التي تسيء الاختيار، والتابعة لبطريارك، والمتطلّبة أو المسؤولة منه. 

الحجّة أن "تأنيث" الجماهير بغرض نزع الأهلية عنها وتبرير العنف ضدها، فكرة مصدرها أن البطريارك له مطلق الحرية في تعنيف شعبه فقط لأنه "الدكر" أو رجل البيت، وكل ما لا يتوحّد مع "هويته" يصبح في مرمى النيران.
 ورد هذا الاقتباس من كتاب سوزان براونميلر، "ضد ارادتنا":

العقلية النازية تصوّر الجماهير على أنها "أنثوية وضعيفة" - يخلص الاقتباس من كتاب براونميللر أن هذه العقلية هي التي سوف تلجأ بعد حين لكل أشكال العنف الجندري/السياسي تجاه النساء، كوسيلة قمعية. الاقتباس يساعد في استنتاج أن أبشع مستويات العنف هي الناتجة عن "خيالات" مرتكبيه عن الهوية القومية أو الوطنية أو هوية الأب نفسه كـ"رأس الدولة/النظام"، مثلا، عسكري الأمن أو الجندي يتخيّل نفسه متوحداً مع "نظام" قمعي مدافعاً عنه - عن بقاءه، بما أن بقاء النظام من بقاء زبانيته- وهذا يبرر العنف ضد النساء أو المعارضة أو المتظاهرين.

هي ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها باسم يوسف ميتافور بذيء مُهين للمرأة، لكنني أجده الأخطر.

فيه يقوم خالد منصور بتمثيل دور هزلي لامرأة اسمها "جماهير"، والمقصود، بالفعل، ميتافور ينطبق مع الاقتباس السابق للتخيّلات النازية المنحرفة عن الجماهير المقموعة والمستعبدة أو المستسلمة للسلطة سواء بارادتها أو نتيجة لحمقها وسوء اختيارها، والسبب الثاني هو الوارد هنا في الفيديو، جماهير امرأة اختارت الرجل الخاطئ، في اعادة تدوير لحالة "عنف منزلي" شائعة لكن في اطار الميتافور السياسي. يستخدمه باسم يوسف ليمرر رسالة أنه "ثمة دكر أفضل من الحالي.." فحسب. لا أكثر، ولا أقل. المثير للاهتمام كيف تمّت الاستعانة بعناصر أخرى للدلالة على "الدونية"، فجماهير تنطق حرف التاء  بالطريقة التي "يتخيل" النخبة - من أمثال باسم يوسف- أن نساء الطبقات الاجتماعية الأكثر تهميشاً، أو "الأقل" بشكل عام، تنطقه بها. (نفس اللكنة التي أدّتها دنيا سمير غانم في فيلم "طير إنت"، حين كانت تلعب شخصية بائعة في بوتيك") -نفس هذه اللكنة يهزأ منها باسم يوسف في "الإفّيه" الشهير "هانشد ميشد"، في نوع من الـbullying لامرأة ما لا أعرف سببا لاستهدافها بالاستئساد أو "التريقة". أو بشكل عام، لهجة جماهير مختلفة عن لهجة أسامة منير أو باسم يوسف "ممّن تلجأ إليهم لطلب المشورة والعون".

  تأتي تحرّشات وزير الاعلام الاخواني صلاح عبد المقصود في نفس التيار، صحيح أنه استفتح فترته الوزارية بتحرش جنسي سافر.
ليس جديدا على "الدولة" استخدام هذا الأسلوب لقمع المعارضة - من السيدات أو الرجال- واستخدام الاستهداف والعنف الجنسي، لكنه ظهر واضحاً في صورته "الرمزية"، التي يعبر عنها اقتباس براونميلر، المُسيء أن من يعدّ محسوباً على المعارضة والنخبة والمثقفين "يبتذل" هذه الرموز في أسوأ مستوياتها، صلاح عبد المقصود يستهدف الصحافيات اللائي يسائلنه عن حرية الصحافة أو الاعلام أو اللائي يشكلن تهديداً سياسياً له، وهو في موقعه الهشّ كوزير حكومة فاقدة الشرعية، يأتي تعبير "تعالي أقولك فين" مستهدفاً امرأة كرمز "للجماهير" - وبنفس العقلية التي كانت وراء اسكيتش باسم يوسف عن "الجماهير"، بوصفه مثقف متحرّش، لم يزد ردّ فعله- المحبط لكن المتوقع نوعاً- عن رفع مستوى "الإفّيه" المتحرش والمسيء للمرأة، بنكتة "تعالى ماسبيرو ونجيب ميرو" ردّاً على وزير "اعلام" متحرش، بطريقة، أنا أيضا في جعبتي المزيد مما لا تستطيع مجاراته. هي "عركة" تزداد وضاعة لأن الطرف المحسوب على النخبة أو المعارضة أو المثقفين غير قادر حتى على ادانة العنف أو التحرش.