Sunday, September 12, 2010

ليه يا بنفسج/٢

لعل أكثر ما تشتهر به لوحة (مدرسة أثينة) هو الثنائي : أرسطو وأفلاطون، ووضعية كلا منهما، فبينما يشير أفلاطون إلى الأعلى، إلى السماء، الجنة، أو عالم المُثُل. يتوجه أرسطو باشارته إلى (الأمام)، فهو لا ينكس يده كثيراً لكنه كذلك يدعو إلى الالتفات إلى هذا العالم، والنظر إليه.

اشارة اليد (إلي الأعلى) كانت شائعة عموماً في لوحات عصر النهضة، ويستخدمها مثلاً ليوناردو دافنشي في لوحته (يوحنا المعمدان).

وقد يكون للأمر علاقة بورقة التاروت (الساحر)، وما لهذه الورقة من معان خيميائية، حين سادت موضة الخيمياء في عصر النهضة، وما يعده هذا العلم من العثور على حجر الفلاسفة، صناعة الذهب، المعرفة القصوى، الرقي العقلاني، الخ.

غويا، رسام القرن الثامن عشر/التاسع عشر، فنان من جيل مختلف تماماً وإن كان يحمل كل ثقافة أعلام الفن الذين سبقوه، يستخدم كذلك اشارة اليد في بعض لوحاته، لكن، اليد تشير للأسفل.

في لوحته (دوقة ألبا)، سواء الأولى، ترتدي فيها الدوقة ثياب سوداء، أو الثانية التي ترتدي بها حلتها البيضاء، تشير يدها للأسفل، واليد ليست كـ يد أرسطو، بل هي منكسة تماماً بحيث تشير إلى الأرض. الأسفل، التراب، الطبيعة، الحواس. الخ.

مذ رامبرانت وحتى غويا بدأ الاهتمام بالألوان، وللألوان في الأعمال الفنية قضية، في عصر النهضة كان الاهتمام ينصب على الرسم، الخطوط، أو كما يدعونه التصوير، فمثلاً، يقول دافنشي في كتابه (مبحث في التصوير) أن التصوير (الرسم) يتفوق على سائر الفنون الأخرى، ومنها النحت، النحات يستخدم مجهوده الجسدي، بينما يستخدم الرسام مجهوده الثقافي.
ثم، نُظر للتلوين خصوصاً، في عصر النهضة، نظرة دنيا، فالتلوين حرفة عمال المصابغ، بينما الرسم، والخطوط، هي حرفة الفنان المثقف.

وللألوان طابع حسّي، مقابل الطابع العقلاني للرسم، على حد تعبير أحد نقاد الفن: الألوان تغري العين.
في لوحات دافنشي مثلاً نجد اهتماماً متطرفاً بالمقاييس الجمالية، التي تكاد تقترب من الدقة الرياضية القصوى، فالوجوه، والملامح، والأجساد، يتم تصويرها بحرص وبلا أدنى (عاطفة)، أو حسّ. إنه تصوير رياضي صارم.

يخف تأثير النهضة بمجيء كارافاجيو ثم رامبرانت، حين تكتسب الألوان الاهتمام الأكبر، استخدام رامبرانت للألوان مبهر، في مقابل اهتمام أقل بخطوط الرسم، أو دقة الملامح الجسدية.

الأمر يصل إلى أقصاه تقريباً عند غويا، فبينما نجد له لوحات تكاد تكون ملامح الوجوه فيها مبهمة تماماً (آخر لوحاته، مجموعته السوداء)، لكن للألوان تقريباً الحضور الأقوى.


الاتجاه الحسي يتزايد عند غويا، ويتحول إلى نوع من (المانيفستو)، حين يرسم لوحة دوقة ألبا، في أحدهما نكاد ننبهر باللون الأبيض الجميل لردائها، وهي تقف، منتصبة الجذع، رافعة ذقنها للأعلى (بخلاف الوضعية المنكسة للرؤوس في لوحات دافنشي مثلاً). وفي هيئتها شبه بالهيئة المتخيلة للـ(مايناد)، المخلوقات/النسوة اللاتي يعشن في الغابة أو البرية، ويشكّلن الجماعة الدينية لـ(دينونيسوس) راعي الخمر الاغريقي. فإن كانت النظرة الاغريقية لهؤلاء، أنهن مجنونات خارجات عن المجتمع، لكن الحكم الأدبي عموماً يربط بينهن وبين القوة أو الشجاعة، وكذلك : الخطر، حين يمزقن كل من يعترض طريقهن. ولعل هذا - إن بالغنا في التنظير- قد يتقاطع مع سيرة حياة دوقة آلبا، فهي قوية، عنيدة، ولم تأبه حتى بالملكة، حين وقفت هذه في طريقها.

لعل في هيئة دوقة آلبا نوع من الاحتفاء بالحياة، في اللوحة ورائها تمتد مساحات برية شاسعة، وهي في كامل حلتها، ثائرة الشعر، تقف وتشير بيدها إلى ما ترغب به.

No comments: