Saturday, July 24, 2010

Inception (2010)


 
بدا أن عاميّ (٢٠٠٩ -٢٠١٠) شهدا ظاهرة سينمائية فريدة، (مشاريع العشر سنوات)، لعدد من المخرجين الكبار، مشروع كينتين تارانتينو , مشروع جيمس كاميرون (آفاتار)، مشروع كريستوفر نولان (موضوع حديثنا). الخ 
حكاية مشاريع العشر سنوات هذه بها شيء، الفيلم غالباً، وإن كان آية في الابهار البصري، يخرج أجوف وسطحياً علي المستوى الدرامي أو العاطفي، فلا يوجد أي كثافة أو (شدة) في أداء الممثلين، خلاف أفلام التسعينيات حين كان يجاهد المخرج والممثل لابهار المشاهد بلا تأثيرات بصرية، كان هنالك ابداع غرائبي في السيناريو (مثل، نادي القتال)، أو في لعبة الظلال والنور وأداء الممثل (من منا لا يذكر طريقة حديث د.ليكتر، في صمت الحملان). وأظن أن هذا ما سيذهب إليه الجميع، حين الحديث عن سطحية الأفلام الألفينية.

هنالك ظاهرة أخرى تهمنا، وهي حمّي نولان الصيفية، الحمى لاحظتها أول مرة من سنتين مع فيلم (دارك نايت) الذي نزل في الوقت نفسه من العام، ثم تصدر قائمة
(آي.إم.دي.بي) المبجلة، ينزل فيلم (إنسبشن) بدور العرض في ١٦ يوليو ليتصدر القائمة في غضون يومين، كما حدث بالضبط مع فيلم نولان السابق, قصة الفيلم باختصار عن (كوب - ليوناردو دي-كابريو)، الذي تم استئجاره من قبل منظمة منافسة، ليحصل على معلومات يحتفظ بها سايتو (كين واتانابي)، رجل الأعمال الثري، عن طريق ميكانيزم متطور، هو ورفيقه آرثر (جوزيف-غوردن ليفيت). في موضع آخر من الفيلم يُقال أن الجيش الأمريكي طوّر هذه الخاصية (الأحلام المشتركة)، وهو أن ينام عدد من الأشخاص المتصلين بجهاز يزوّدهم بمنومات من نوع خاص طوال فترة السبات، وفي أثنائها يمكن لهؤلاء أن يعبروا إلى أحلام بعضهم بعضاً، ويشاركوا في أحداثها، مهنة (كوب) تعتمد على ما يتيحه هذا الجهاز، فـ(كوب) خبير متمرس بعملية (الاستخلاص)، فهو يعدّ بيئة (مشاركة أحلام)، ثم يدخل إلى العقل الباطن للشخص المعني ليستخلص منه ما يرغب من معلومات مخفية، (سايتو)، الذي يأتي إليه (كوب) بغرض سرقة معلومات منه، يعرف أغراض كوب الحقيقية لكن يدعه لينفذ عملية استخلاص الأحلام، وهو ما يحدث خلال النصف ساعة الأولى من الفيلم، ونعرف أن كوب محترف تماماً لأنه يقوم بميكانيزم (الحلم داخل الحلم)، فهو، ينفذ عملية المشاركة في الأحلام على مستويين، أول مستوي في العقل الباطن لرفيقه (آرثر)، ثم المستوى الثاني في العقل الباطن لمهندس المجموعة، بهذه الطريقة يضمن كوب الترحال علي مستويات عميقة داخل العقل الباطن للشخص المستهدف (سايتو)، كما يضمن حالات الطواريء، لأن، الموت داخل الحلم يؤدي إلى الاستيقاظ. هكذا حين تطلق (مال -زوجة كوب المتوفية، والتي تظهر في عقله الباطن رغماً عنه لتفسد عليه الأحلام). النار على (آرثر) ليستيقظ من الحلم الأول، نجد أنفسنا في حلم شخص آخر من الفريق، دون أن نلاحظ في البدء، مع وهم أننا (استيقظنا)، لنكتشف أننا في حلم داخل حلم.

سايتو يُعجب بمهارة كوب ويسأله فيما بعد أن يقوم بمهمة، ليست استخلاص معلومات، إنما (زرع أفكار) داخل العقل الباطن لشخص ما، هو فيشر الابن، الوريث لسلسلة شركات تشتغل بقطاع الطاقة، وعمّا قريب سوف تتحول إلى وحش رأسمالي، وكي يحول (سايتو) دون هذا، يطلب من كوب أن يزرع داخل فيشر الابن فكرة : أن يفكك امبراطورية والده.

يكوّن كوب فريقه الخاص، من المهندسة (آرينداتي - إلين بيج)، والتي تقوم باعداد مشاهد وبناء الأحلام، إيمز (توم هاردي) ويبدو أن لهذا موهبة خاصة في التقمص والخداع، فهو قادر على تقمص شخصية (براوننغ- الأب الروحي لفيشر الابن، وعن طريقه ينجحون في زرع ما يرغبون من أفكار). ثم يوسف الكيميائي الذي يزودهم بمنوم قوي، يضمن أن يظل فيشر الابن مخدراً لعشر ساعات، ومشكلة هذا المخدر أن، في هذه الحالة، الموت داخل الحلم لا يعني الاستيقاظ، مثل الأحوال العادية، انما الدخول في حالة (ليمبو)، وهي الشبيهة بغيبوبة ملونة مليئة بالأحلام، وحين يستيقظ منها المرء، يفقد عقله.
(آرينداتي)، بوصفها مبتدئة، يساعدها (آرثر)، حين تعاني من عدم التفرقة بين الواقع والحلم، يقترح عليها آرثر أن تحتفظ بتميمة خاصة بها، تمسكها معها داخل الحلم، كما تمسكها في الواقع، وتكون هي الوحيدة العارفة بأبعادها، درجة لونها وصفاتها الفيزيقة، كيلا يخدعها أحد في حلم ما. تصنع (آرينداتي) بنفسها تميمة على شكل قطعة شطرنج، بينما ترافق تميمة (كوب) المميزة، النحلة الدوارة، كوب والمشاهدين بطول الفيلم.
نجاح كوب في الأمر يعني أن يضمن له سايتو أن يعود للولايات المتحدة الأمريكية، وفي بداية الفيلم نعرف أنه مهدد بالقبض عليه ومحاكمته هناك، ونظن أن السبب هو النشاط غير الشرعي لعملية (استخلاص المعلومات من أحلام الآخرين)، لكننا نعرف فيما بعد أنه متهم بقتل زوجته.

الفريق - بعد كثير من مشاهد العنف والآكشن، والصعوبات التي يواجهها داخل عقل فيشر الابن (الفريق- على غير المعتاد، سوف ينّفذ بيئة مشاركة أحلام ثلاثية المستوى)، ينجح في مهمته، ويعود كوب إلى وطنه.

الفيلم على مستوى من التعقيد لا بأس به، مما يجعلني أندهش، من مسألة الحمّى التي تدور حوله، كيف أعجب كل هذا العدد من الأشخاص؟ الذين غالباً لا تعجبهم أعمال أخرى على نفس الدرجة من التعقيد، أو أقل منها. الفيلم ليس أيقونياً. وأنت تشاهد الفيلم تشعر أن هذه اللعبة قد لُعبت عليك من قبل، وهذا صحيح، فمشهد (مجموعة من الأفراد النائمين، بينما عقولهم تلعب وتدور في مكان آخر، وهم يتشاركون في الأمر)، حدثت من قبل في فيلم (ماتريكس)، وماتريكس، بالنسبة لي، كلاسيكياً أكثر من (إنسبشن) ولا شك، والمشهد الدرامي الأيقوني الذي فيه يظهر مورفيوس بينما يعرض على نيو الاختيار بين الحبة الزرقاء و الحبة الحمراء، والكثير من الثيمات الأخرى الانسانية داخل الفيلم رغم تقشفه العاطفي، وابتعاده عن العالم المعتاد. أما فكرة الدوران داخل عقل أحدهم، ربما تم التعرض لها لكن بمعالجة مختلفة تماماً في فيلم (التجلّي الأزلي للعقل الماحي)، وبه بطلا الفيلم يركضان داخل عقل أحدهما (بينما هو نائم)، لانقاذ ذكرياته من الضياع. والفكرة ذاتها (الدوران داخل العقل) ربما ظهرت كذلك في أفلام أحدث، مثل (سيرك الدكتور برناسوس)، وفيها، الدكتور برناسوس ذو المخيلة الخارقة، يُدخل الناس إلى عالمه العقلي الخيالي الباهر، كي يحصل الشيطان على أرواحهم فيما بعد.


التالي هو محاولة لتقصّي أسباب نجاح فيلم نولان (إلى جانب العامل الرئيسي، الآكشن أو الاثارة الحركية)، رغم تعقيده -في رأيي- وعدم مناسبته لذوق الأغلبية، أو، يمكن اعتبارها، (روشتة) للمخرجين المتحمسين.

 
الموسيقى:

أول محاسن الفيلم هي الموسيقى، مذ المقطوعة التي تُعزف في الـ(دعاية المحمسة) أول ظهورها ديسمبر ٢٠٠٩. ثم الساوندتراك بأكمله الذي يشترك في صناعته هانز زيمر وآخرون، هذه اللعبة مكررة، بدأها كريستوفر نولان في أفلام باتمان، في فيلم (دارك نايت) أكثر ما حرّك حماسي وعواطفي أثناء المشاهدة كانت الموسيقى.

براعة نولان كـ(مخرج) تهيّئه ليستغل الموسيقى إلى أقصى درجة، الألحان السيمفونية التي صاحبت المشاهد كانت مختارة بعناية لشدّ المتلقي إلى حالة من التفاعل مع المشاهد، سواء كانت معقدة، سريعة الخطى، شديدة العنف، ولأن المخرج ،اذا كانت لديه قصة معقدة ومعالجة سينمائية أكثر تعقيداً، فهو يخاطر بفقدان المُشاهد في منتصف الفيلم، وعليه أن يلعب على وتر الموسيقى، والفيلم لن يقدم أي شيء يعجب المتلقي العادي، القصة معقدة، الفيلم خال من نواحي التفاعل أو التورط العاطفي المعتادة، فهي ليست قصة رومانسية، ليست كوميديا، وليست دراما عائلية. والحكاية ليس بها شيء يمكن أن يتماهى معه المتلقي،  كيف يمكن لهذا الفيلم أن يصعد إلى قمة التقييمات؟  الموسيقى كانت أحد العوامل.


الشلة :

ثلاثة أمريكان، إثنان انجليز، ياباني، عربي، وفرنسية. هنالك تباين وتنوع في الشخصيات، الأمر الذي جعل لهؤلاء صحبة ظريفة ومستحبة بطول الفيلم، والحوار/المواقف بينهم لم تخل من الطرافة، أفلام (الفريق)، خاصة حين تكون آكشن، تضمن عنصراً لا بأس به من تعاطف الجمهور، من قبيل التنوع والثراء الدرامي والسيكولوجي الذي يتيحه عدد كبير من الأشخاص يعملون معاً كفريق، هنالك أفلام آكشن تعتمد بشكل كامل على فكرة الفريق وما تبعثه من إثارة في نفوس المشاهدين، لأن الفريق، ولأنه يحوى عدداً من الشخصيات المتنافرة، المختلفة، المتصارعة، ولأن غالباً سوف تنشأ علاقات وحوارات من التفاهم بين هؤلاء، تضمن نجاحها، مثال: الرجال إكس، إتحاد السادة الخارقين، الخ. حين يرى المشاهد تطور علاقات التفاهم في الفريق (وغالباً، في هذه الأفلام، هنالك أعضاء في الفريق يجب اقناعهم بالانضمام- أعضاء عنيدون- أعضاء عدائيون-الخ)، وفي ذروة الفيلم تكون هنالك لحظة من التفاهم الجماعي بين كل العناصر المتصارعة، غالباً، لأجل الهدف السامي داخل الفيلم. هذا الشحن النفسي يهيّء المتلقي لتقبل أحداث الفيلم وغالباً- يشعر المتلقي أنه عضو في الفريق. وهي برأيي- أفلام تتيح للمتلقي أن يكون عضواً في الأحداث.


الحوار:

الحوار كان متواضعاً، وليس به عبارات رنانة كما كان الأمر في فيلم نولان السابق (ذا دارك نايت)، لكن, مع هذا, الحوار لا يخلو من الذكاء والبراعة، إلا في بعض الأحيان حين يتدخل الحوار ليشرح (ما يحدث)، في أول مشهد بالفيلم نحن ندرك أنهم (في حلم داخل حلم) لأننا نرى أعضاء الفريق نائمين في مكان آخر. (قطار). لكن الحوار لا يبخل على المشاهد بهذا التنوير، على لسان أحد الشخصيات: إنه حلم داخل حلم، رغم أن هذه الجملة خطرت لي (من قصيدة مستر. بو)، قبل أن تقال، واذا خطرت لي، فهي سوف تخطر لآخرين وبنفس التأثيرات الشعرية، ومستر.نولان يحرص بشدة على مشاهده (ضيق الخُلق- سريع الملل) لذا فهو يقدم اجابات جاهزة طول الوقت لمن يبحث عنها، والفيلم عموماً هو فيلم (اجابات)، ولأني أرى الأفلام غالباً نوعين، أفلام (أسئلة)، وأفلام (اجابات)، فيلمنا هذا من النوعية الثانية. هنالك في الحوار جُمل اعتبرتها (هُراء) أو حشو، بلا أي فائدة أو ذكاء، مثل ذاك الذي يُكرره كوب من وراء مال، (أنت في قطار، سوف تركب القطار رغم عدم معرفتك بوجهته، لأنك...الخ)، الغرض الوحيد من هذا الوصف هو الذريعة لمشهد المقطورة التي تقتحم الحلم الأول من الأحلام الثلاثة، (يعني، بيان إلى أي مدى مال خطرة).

الشر :

الفيلم بأبعاده الفكرية يركز على مسألة العاطفة المحرّكة للأحلام، والأحلام في الفيلم هي أكوان مبهرة ومحكمة جداً، لكن صناع الفيلم لا ينسون الجانب التحليلي/السيكولوجي، ويؤكدون علي أن ما يحرك العقل الباطن هو العاطفة، والسلاح الذي يستخدمه الفريق البطل، لزرع الفكرة المرغوبة في ذهن (فيشر الابن)، والتي تستند إلى عاطفة الابن تجاه الأب، هي ذاتها ما يهدد نجاح المهمة لأن هنالك (عاطفة) مدمرة ومؤلمة تجوس وتلهو في العقل الباطن لـ كوب (ليوناردو دي-كابريو)، وهي شعوره بالذنب تجاه زوجته المتوفية. والفيلم رغم (هيلمانه) البصري واعتماده بشكل مكثف علي الحركة/الآكشن. هنالك جانب سيكولوجي أو درامي ليس سيئاً، بطل الفيلم تمتصه وترهقه عاطفة سلبية، وهي تقريباً سبب دماره، رغم أن الفيلم لم يركز على الأمر، وغالباً، لن يلاحظ أغلب المشاهدين هذا.
تظهر العاطفة الخطرة لـ(كوب) كتجسيد لزوجته المنتحرة (مال)، لعبت دورها الفرنسية (ماريون كوتّيار)، ويمكننا اعتبارها (شرير) الفيلم، رغم أنها ليست شريراً بالمعنى المتعارف، ورغم أنه ليس هناك شرير بالفيلم بالمعنى المتعارف، مرة ثانية الفيلم مبني بشكل كبير على صخرة زاوية هي (العاطفة)، وليس الأخلاق، أو الصراع. (كوب) يرغب في العودة إلى وطنه ليشاهد ولديه، ولأجل هذا هو سيفعل أي شيء، سوف يخاطر بحياته وحياة الفريق في مهمة غير محمودة العواقب. مسألة الأساس العاطفي للفيلم تتيح للشخصيات كافة التحولات (الديستويفسكية)، (سايتو)، الثري الياباني الذي دخل في صراع مع الأبطال في بداية الفيلم يصبح ضمن الفريق، (فيشر الابن) رغم أنه الموجه له العنف (الفكري)، بتطور الفيلم، نكتشف أن هذا العنف الفكري قد يكون في مصلحته، في الواقع. أما (مال)، فهي حبيبة (كوب)، وليس الذنب فقط ما يبقيها كـ(عفريتة) داخل عقل (كوب)،إنما رغبته في أن يكون معها للأبد رغم أنها ميتة.
أداء (ماريون كوتيلارد) كان في المدى المقبول، وإن لم نر موهبة درامية عاتية (لأن الفيلم لم يتح لها هذا)، إلا أنها جعلت من الشخصية (فام فاتال)، بطراز خاص.

 
الدروس المستفادة:

يلعب الفيلم دوراً (تعليمياً) لا بأس به، خاصة بتقديمه لمسألة (الفكرة هي أخطر الطفيليات على الاطلاق، فهي تتكاثر كسرطان، قد تحدد هوية الشخص أو تدمره). إلى جانب تحليله لطبيعة الأحلام- ذاك العالم الغامض، هنالك معلومات ظريفة عن العقل الباطن، مثل مسألة العاطفة، والمشاهد التي يمشي بها اثنان، (في عقل) أحدهما، والحلم يدور في شارع، ثم
فجأة ينظر جميع المارة، الغرباء، في الشارع، داخل الحلم، إليهما، ومبرر هذا أن الأمر وسيلة دفاعية من عقل المستضيف، ضد الحالم الدخيل. أو، مسألة تأثير انعدام الجاذبية، بسبب السقوط الحر (ولنقل، مجموعة الحالمين حين يكونون داخل سيارة تسقط من جسر)، سوف تنعدم الجاذبية داخل أحلام هؤلاء، ويطيرون في الفراغ. وهذه المعلومات التي يتيحها الفيلم، رغم أن معظمها قد يُعتبر نوعاً من الهراء أو العلم الظريف، تُشعر المشاهد أن الفيلم في مستوى أعلى، بينما هو في مستوى منخفض، قد يمد المشاهد رأسه أكثر ليتماهى مع الفيلم، لكن هنالك فئة من المشاهدين، من اعتاد على الحصول على اجابات بطرق أسهل، سوف يغادر في منتصف الفيلم


تنوير/ذروة

في الفيلم، لحظة التنوير هي لحظة ذروة الأحداث، وفيها، بعدما يصاب (سايتو) بعيار ناري، ويصبح مهدداً بالموت داخل الحلم، اذن مهدد بالغيبوبة الأبدية خارجه، ينتقل الجميع إلى مستوى ثالث من الأحلام، وهناك يصاب كذلك (فيشر الابن)، ثم يموت،  يضطر الفريق إلى الدخول في مستوى رابع هو العقل الباطن لـ(كوب)، هناك سوف يلتقي بـ(مال)، التي قتلت (فيشر الابن)، ويجد فيشر حيّاً لديها، ومن هناك تجري عملية انعاشه بالصدمة الكهربية، والفكرة معقدة وهاوية اذا لم تُرى بصرياً، لكن حين يلتقي كوب بمال، نكتشف أن سبب شعوره بالذنب ليس وهمياً، فهما، مذ سنوات عديدة، اختارا أن يعيشا معاً كحالمين مشتركين، وهكذا، سوف يتقدمان في السن ضامنين حياة سعيدة أبدية، لكن داخل حلم، كل تفاصيله، مبانيه وعوالمه من صنع خيالهما، لكن (كوب) لم يستطع أن يكمل حياته بهذه الطريقة، لذا، (زرع) فكرة داخل عقل (مال)، (ومن هنا أتته خبرة زراعة الأفكار)، أن هذا العالم الذي تعيشه ليس حقيقياً وعليها أن تستيقظ بقتل نفسها، المؤسف أن هذه الفكرة تظل معها حتى بعد الاستيقاظ، مما يؤدي بها إلى الاعتقاد بأن العالم الحقيقي كذلك مزيف، وأن عليها الاستيقاظ بالانتحار.
وبعد أن يصفي كوب حساباته مع مال، ويعيد (فيشر) إلى الحياة، ينتقل إلى مستوى خامس، حيث ينقذ (سايتو)، حين يصير إلى حلم، يظهر به كغريق على شاطيء اليابان، وهناك يأخذوه إلى (سايتو) الذي يظهر عجوزاً جداً، ويبدو أن كوب يمارس معه في هذه اللحظة عملية زرع أفكار ولكن بطريقة ايجابية، فهو انما (يذكره) داخل عقله الباطن أنه ليس عجوزاً إنما لا يزال شاباً، وأنه يجب أن يستيقظ حالاً، وألا يتسرب إلى حالة الليمبو. وهو ما يحدث فعلاً في نهاية الفيلم السعيدة 

  

 لمسة نولان، أو سبّ الجمهور 
ما أقصده بلمسة نولان، هو الشيء الذي لم أجده في أفلامه الأخرى، عدا (ميمينتو)، وهو : مواجهة المشاهد لنفسه، في نهاية الفيلم غالباً، في فيلم ميمينتو نكتشف في النهاية أن البطل قد اختار الحقيقة التي يريد أن يؤمن بها، وألقى وراءه كل ما عداها، لأنه لن يستطيع التعايش مع ما عداها، (وذلك، اعتماداً على حالته من فقدان الذاكرة)، وطوال الفيلم نحن نتعايش مع سؤال الحقيقة، وما الحقيقة، وما الذي يجب أن يصدقه البطل. 
في (إنسبشن)، الفكرة المزعجة التي أدت بـ(مال، زوجة كوب) إلى الانتحار، هي أنها لم تعد تفرق بين الواقع والحلم، فهي صارت تؤمن أن ما تعيشه (الواقع، الذي نعيشه)، هو الحلم، وأنها يجب أن تستيقظ منه بقتل نفسها. في نهاية الفيلم، وبعد نجاح المهمة، وعودة كوب إلى دياره وولديه، تتوقف الكاميرا طويلاً على (تميمته) (النحلة الدوارة)، هذا المشهد يجعل المشاهدين في قاعة السينما يقولون : أوووووووه. لأنهم ظنوا أن - هكذا- كل ما مر كان حلماً. لكني لا أعتقد هذا، فهذه الفكرة حمقاء تماماً ومبالغ فيها. إنما المشاهد المعتاد على (قلبات) الأفلام الأمريكية يرغب في هذا لأنه يظن أنه (يا سلام- يا حلاوة) هذه هي قمة الروعة، أن نكتشف أننا انضحك علينا. في الحقيقة أنا لو اكتشفت أن فيلماً ما (يستهبل) معي إلى هذه الدرجة، ثم يكشف لي في النهاية أن كل ما فات كان حلماً، فسوف يسقط من نظري. لقد مشيت مع احتمال أن الفيلم بالفعل انتهى نهاية سعيدة بالنسبة لـ كوب، ونهاية غير سعيدة بالنسبة للمشاهدين، فقد تسرّبت لهم عدوى (مال)، ولم يعودوا يفرقون بين الواقع والحلم.

No comments: