Friday, June 18, 2010

sapiō


الكلمة اللاتينية في العنوان، تعني طعم، مذاق، أو ذوق، واللّماحون الذين سوف يلاحظون علاقتها بكلمة : هيومو-سايبن، أي الانسان الحالي، وهو الانسان العاقل المُميّز.
تعرفت على الكلمة لأول مرة ربما في أحد كتب نيتشه، (أظن، الفلسفة في العصر المأساوي الاغريقي)، ترتبط الكلمة بالفلاسفة، الفيلسوف هو نوع مميز ومختلف من الفنانين، فهو الانسان ذو الذوق الحسن، ومجدداً سوف أعوّل علي اللماحين الذي سوف يلاحظون علاقة (سابيو)، بـ (صوفيا)، الحبيبة والعشيقة. أعني، الحكمة.


فكر العصر الكلاسيكي (مذ القرن السابع عشر وحتى مطلع القرن العشرين)، همّش الذوق، بأفكار آدم سميث الاقتصادية المتطرفة عن (العمل- العمل اليدوي- القوى العمالية)، يرى سميث أن قيمة السلع تتحدد بكمية العمل المبذول لانتاجها، ولا شيء آخر، يأتي من بعده مفكرون أكثر تطرفاً يهمّشون كذلك دور الأرض في العملية الانتاجية، (جون بيتس كلارك).


حتى أنا ذاتي صرت أهمّش الذوق، ولا أدري ما أهمية الناقد، بالمقارنة بأهمية العامل، وما أهمية الذوق، والاختيار، بجانب الانتاج المستمر الذي لا ينضب.


حين يقول جان باتيست ساي أن العرض يخلق الطلب المماثل له، فإن زمرة الكلاسيكيون الاقتصاديون يهمّشون الذوق الفردي أكثر فأكثر، فلا يوجد أي أهمية للطلب، أعني الاستهلاك، في الانتاج، أو في قرارات المنتجين، المهم هو العرض، الانتاج، والانتاج والانتاج بلا توقف.


في حكايتنا الطريفة هذه، تأتي الصدمة في الثلاثينيات، بأول كساد عالمي من نوعه، تتلخص أسبابه في الفائض الهائل من السلع، الذي لم يعد يساوي الطلب، تلاشت أرباح الرأسماليين، وملايين العمال عانوا من البطالة.


كينز يأتي ويعكس الأفكار الكلاسيكية ليعطي الطلب الأهمية القصوى، والطلب هو ما يخلق العرض، وأنا أعتبر الفكر الكينزي عودة لمفاهيم (السابيو/ الذوق)، كما أن لدي فكرة طريفة وهي أن شخص مثل (ايف سان لوران)* هو نتيجة مباشرة لوجود شخص مثل (كينز).


يتميز الفكر الكينزي ومن بعده الفكر الاقتصادي الحديث عموماً باعطاء الأهمية للفرد، وذوق الفرد لوحده منفصلاً عن ذوق الجماعة أو الشعوب، الواقع أن التقليعات الفاشيونية الغرائبية هي استجابة لذوق الأفراد، لا أجد تعبيراً (شعبياً) وفردياً في ذات الوقت، أفضل من الموضة، فهي لا تتطلب من ممارسها وجاهة فكرية كبيرة، وفي نفس الوقت فهي تميز الفرد عن غيره، لا شيء يميز الفرد عن غيره أكثر مما يرتديه.




قلت فيما سبق أن هنالك أشخاص بالغو الأهمية، ليس لأنهم منتجون نشطون، وليس لأن لهم انتاج ابداعي بالضرورة، بل لأن ذوقهم (حلو)، هذا يضعهم في القمة، وعلّقت بمثال، شخصية ميريل ستريب في فيلم (الشيطان يرتدي برادا)، ميراندا بريستلي
هؤلاء (الحكماء) ذوو الذوق المتطرف أو الجيد، يعملون عمل المشاعل في وسط (الوفرة) الانتاجية البربرية التي شوهت محددات الذوق.



في حوار بالفيلم، تخاطب (ميراندا بريستلي)، مساعدتها (آندي)، حين ضحكت الأخيرة من مبالغة زمرة السيدات المشتغلات بالموضة في التدقيق بالألوان والصنوف، تقول (بريستلي) أن هاته الكنزة الزرقاء التي ترتديها (آندي)، ليست مجرد كنزة زرقاء، وهذه الدرجة اللونية ليست مجرد أزرق، بل هي نتاج عملية تطور عريض لأذواق مجموعة كبيرة من الأشخاص المشتغلين بالموضة.




لم أتوقع أن يعجبني الفيلم لكنه أعجبني، بسبب أداء ميريل ستريب الطريف والرائع، ولم أتوقع أنني سوف أتحدث عن هذا الموضوع أبداً، لكن النتيجة التي وصلت لها طريفة، حين أبدأ من كلام الصلف نيتشه لأنتهي الى كلام الصلفة (ميراندا بريستلي). موضوع الذوق ومحدداته يشغلني، وربما أتكلم عنه باستفاضة في مناسبات أخرى، لكن الذوق البشري يمكننا اعتباره (دالة في التاريخ)، فكما كانت الثلاثينيات بداية للاهتمام بذوق الأفراد، مذ الستينيات بدأ الذوق الفردي يتطرف أكثر، وحتي الثمانينيات، مكوناً ما يعرف بظاهرة الجيل إكس (جيل حرب فييتنام وأزمات النفط) ، ويأتي بعده الجيل واي (جيل انهيار الاتحاد السوفيتي وجدار برلين وأفكار فوكوياما). تتلخص أفكاري الطريفة في الآتي: اذا كنت من الجيل واي، هنالك احتمال ضئيل جداً أن تعجبك أغاني مادونّا، في حين سوف تجد في نفسك الميل لتذوق أغاني (الليدي غاغا)، وعموماً، مهما تطور مستواك الفكري، فاذا كنت من الجيل إكس فسوف تميل الى روايات ديستويفسكي، بينما تمر عليك روايات امبرتو ايكو مرور الكرام، (وكذلك سلاسل هاري بوتر)، الجيل إكس منيع عليها


---
* لا أجد مانعاً من اضافة جيورجيو أرماني كذلك.

No comments: