البيت الفارسي للشاعر حافظ شيرازي، ترجمته العربية
البارحة جئتم وقت السحر وأزلتم الغصة من قلبي
وفي ظلمة الليل، شربت منكم إكسير الحياة
وفي ظلمة الليل، شربت منكم إكسير الحياة
الحقيقة، بمجرد النظر إلى النسخة العربية أجد الكثير من الإيحاءات "السرّانية"، وبالمناسبة كان شيرازي شاعراً صوفياً، قد يكون سبب اختياره لـ(وقت السحر)، ما يعنيه وقت السحر بالنسبة للثقافة العربية والشرقية عموماً، وقد يكون سبب الاختيار أنه الأقرب إلى الفجر والأشد ظلمة كذلك من الليل.
الفجر - لو تحرّينا اللوثة السرّانية التي سوف نفسر بها البيت- مرحلة (تحول) من الليل إلى النهار، من الظلمات إلى النور، من الرصاص إلى الذهب، الخ، عموماً رمز الذهب في الخيمياء القديمة هو رمز الشمس في التنجيم. ولا أستطيع أن أتجاهل الخلفية التراثية للشاعر الفارسي الذي أتى من أرض زرداشتية كانت شائعة بها العقائد الثنوية (الهرطوقية).
عموماً، الشاعر في وقت السحر، الوقت الأشد ظلمة والأكثر قرباً كذلك إلى (التنوير)، المجد أو الخلاص، هذا يفسر لماذا يعاني من الغصة، الذي يعجبني أنه اختار للتعبير عن حالته اليائسة لفظاً يشير أصلاً إلى "طعم"، والأمر يعجبني بشكل شخصي بسبب رؤيتي لمسألة (الطعم)، أيّ طعم هو انعكاس بالضرورة للخبرة البشرية، كما قلت في موضع سابق، (الحكمة). التمييز، التذوق. (وللأمر ايحاءات أخرى لن تخفى على القاريء).
الغصة في القلب هي مرارة الخبرة البشرية القصوى، الألم، لذا يُقال أن رمز المعبود البابلي الوثني (نبو)، (المعرفة)، هو يعسوب، ربما للأمر علاقة بـ(لسعة) المعرفة.
سوف أتجاهل مؤقتاً لفظ (إكسير الحياة) في الشطر الثاني لأن الأمر بات مملاً.
ما يهمني هو الترجمة الإنجليزية التي وجدتها هنا
At the break of dawn from sorrows I was saved
In the dark night of the Soul, drank the elixir I craved.
In the dark night of the Soul, drank the elixir I craved.
لا أدري إذا كانت (تلفيقة/تلزيقة) من المترجم الانجليزي، أم أنه بالفعل، المعنى الفارسي الحرفي - للفظة ما، في الشطر الثاني- هو : الليلة الظلماء للروح، سوف أفترض أنها تلفيقة بالفعل لأني-أظن- أن المقابل لعبارة (الليلة الظلماء للروح) هو (ان ظلمت)؟
أرى أن البيت الفارسي عصيّ الفهم على الفرس أنفسهم، لكننا أمام ظاهرة طريفة، المترجم تقريباً (لفّق) مصطلح يكاد يعتبر (صوفياً) -من بيئة غربية- في بيت بمعان سرّانية (غير أكيدة) لشاعر متصوف شرقي.
الليلة الظلماء للروح، ظهرت كمصطلح لأول مرة بالأسبانية في قصيدة للمتصوف المسيحي الأسباني (خوان دو لاكروز)، والذي طُوّب قديساً، المصطلح يعني مرحلة من مراحل الحياة الروحية للمرء، يقع فيها فريسة للعزلة واليأس والنبذ، الجدير بالذكر أن ويكي الإنجليزية تُقصر المصطلح على التصوف المسيحي، وأنها حين تُدرج أمثلة من الشرق لا نجد بينها حافظ شيرازي.
كنت أقرأ ورقة بحثية*، وبها المؤلف -بحماسة- يثبت العلائق بين الكتابات التصوفية الأسبانية والعربية، ويخلص إلى تأثر الأسبان بالعرب.
ومثلاً، يُرفق الاقتباس التالي لابن عربي
"وذلك أن السراب يحسبه الظمآن ماء، وذلك لظمئه لولا ذلك ما حسبه ماء، لأن الماء موضع خاصته، فيلجأ إليه لكونه مطلوبه ومحبوبه، لما فيه من سر الحياة فإذا جاءه لم يجد شيئاً...... "
ثم يأخذ رمزية الماء ويربط بينها وبين أشعار لخوان دولا كروز يرفق بها رمز الماء، أذكر: "آه أيها النبع الكريستالي".
أتخيل الآن، إلى أي درجة سيهلل الباحث اذا وقع على هذا الاكتشاف: مفهوم (الليلة الظلماء للروح) الذي يعتبر أصيلاً وحكراً على التصوف المسيحي أصلاً مقتبس من شاعر فارسي- بالطبع، أساس كلامنا أن شيرازي عاش قبل خوان بزمن طويل.
أرى أن البيت الفارسي عصيّ الفهم على الفرس أنفسهم، لكننا أمام ظاهرة طريفة، المترجم تقريباً (لفّق) مصطلح يكاد يعتبر (صوفياً) -من بيئة غربية- في بيت بمعان سرّانية (غير أكيدة) لشاعر متصوف شرقي.
الليلة الظلماء للروح، ظهرت كمصطلح لأول مرة بالأسبانية في قصيدة للمتصوف المسيحي الأسباني (خوان دو لاكروز)، والذي طُوّب قديساً، المصطلح يعني مرحلة من مراحل الحياة الروحية للمرء، يقع فيها فريسة للعزلة واليأس والنبذ، الجدير بالذكر أن ويكي الإنجليزية تُقصر المصطلح على التصوف المسيحي، وأنها حين تُدرج أمثلة من الشرق لا نجد بينها حافظ شيرازي.
كنت أقرأ ورقة بحثية*، وبها المؤلف -بحماسة- يثبت العلائق بين الكتابات التصوفية الأسبانية والعربية، ويخلص إلى تأثر الأسبان بالعرب.
ومثلاً، يُرفق الاقتباس التالي لابن عربي
"وذلك أن السراب يحسبه الظمآن ماء، وذلك لظمئه لولا ذلك ما حسبه ماء، لأن الماء موضع خاصته، فيلجأ إليه لكونه مطلوبه ومحبوبه، لما فيه من سر الحياة فإذا جاءه لم يجد شيئاً...... "
ثم يأخذ رمزية الماء ويربط بينها وبين أشعار لخوان دولا كروز يرفق بها رمز الماء، أذكر: "آه أيها النبع الكريستالي".
أتخيل الآن، إلى أي درجة سيهلل الباحث اذا وقع على هذا الاكتشاف: مفهوم (الليلة الظلماء للروح) الذي يعتبر أصيلاً وحكراً على التصوف المسيحي أصلاً مقتبس من شاعر فارسي- بالطبع، أساس كلامنا أن شيرازي عاش قبل خوان بزمن طويل.
الحقيقة أني لا أجد لأي هذا معنى، ولو حدث، ولو كان فعلاً هنالك تأثر، أشك كثيراً أن خوان دو لا كروز بالذات متأثر بالعرب، كما أن التصوف (الغربي عموماً) له جذور ضاربة في العمق، أبحاث مشابهة تشعرني أن أوروبا عرفت التصوف لتوها حين اختلطت بعرب الأندلس، كما أن هذا الوقت - على حافة النهضة - كان حفلاً صاخباً لشتى الميول السرّانية (من الغرب والشرق) وقد شارك اليهود في هذا الحفل بكتاباتهم القبالية.
الاحالات السرّانية في الفكر الغربي القديم موجودة مذ ديانة الأسرار (الأورفية)، مروراً بتعاليم فيثاغورث وجماعته الغامضة، ثم كل الفلاسفة الذين أخذوا العادة الصوفية/السرانية من أول إبيدوكليس وحتى أفلاطون (نذكر هنا الموقف الظريف، حين اقترب أفلاطون من سقراط المحتضر، والأخير يهمس في أذن الأول بالحكمة بدلاً من قولها علانية)، بعض الممارسات السرانية الشعبية كانت موجودة في الدولة الرومانية (جماعات ديونيسوس)، والتي تم حظرها -على ما أذكر- بسبب الممارسات المتطرفة/أعمال الجلد للمبتدئين..
حتى في علوم القرون الوسطى، يميل علماء العرب إلى الجانب الامبريقي والتحليل الطبيعي الجامد (الأرسطي)، في حين ينحرف علماء الغرب غالباً إلى الخيمياء، لكن هذا غير أكيد، نحن نتكلم عموماً بجهل (الانطباعيين).
صارت لدي فكرة عامة أن كل الأشياء بدأت واختفت في كل الأماكن، والمسألة هي: في أي أماكن سوف تبقى لمدد أطول من أماكن أخرى، وهواة (التلزيق والتلفيق) سوف يخرجون بادعاءات ليس لها لزوم، مثل أن دانتي تأثر في كوميدياه برسائل الغفران للمعري، وأن جماعة الروزوكروزيون هي شكل غربي لجماعة اخوان الصفا، الخ
لا أجد مانعاً من أن يفعل الجميع الشيء ذاته وألا ينطوي هذا بالضرورة على تأثير متبادل، أخال أن فترة العصور الوسطى كانت (عجائبية) في تأثيراتها، وأن أي نشاط خرج فيها له علاقة (بالزمان)، وليس المكان.فقد كانت كلها أفكار/علوم/نكهات قروسطية، لا شرقية ولا غربية
---
*(بعض آثار التصوف الاسلامي في تصوف أسبانيا القرن السادس عشر -سليمان العطار)
No comments:
Post a Comment