ممكن نكون واضحين فى حاجة؟ الإستخدام السياسي للتحرش هو من مظاهر المشكلة مش أحد أسبابها أو أحد عوامل إنتشارها
— Tamer Mowafy (@kalimakhus) May 24, 2013
الاستخدام السياسي للتحرش يستلزم حشداً للمتحرشين، أي "تعبئة" للمتحرشين لأجل ارتكاب الفعل، مع كل الآثار النفسية التي تحدثها حالة "التعبئة" أو "التنظيم" في جمع من الناس: التعاون، التكاتف، الدعم الضمني الذي يمنحه كل فرد في هذا "الجمع" لغيره، ما يعظّم هذه الحالة أنه جمع "متجانس"، كله من الذكور، بنفس الظروف والحالات، تكونت فيما بينهم "رابطة" نفسية لحظية في مكان ووقت معين، لأسباب معينة، هو اذن جمع من الذكور، مُشابه للمجتمعات الذكورية التي يتولّد داخلها مقت لكل ما هو مخالف لهويّتها الجمعية المتخيّلة، مثل مقت كل "نوادي الفتيان" للدخلاء من الفتيات، تتراوح ظاهرة نوادي الفتيان من مقت العسكر والجنود للنساء المؤدي للعدوان عليهن سواء في أوقات السلم أو النزاعات المُسلّحة، إلى عدوان مُجتمعات لاعبي الفيديو الذكورية على امرأة "دخيلة" تحاول انتقاد الألعاب. الغرض السياسي من استخدام التحرّش هو التشديد على "الآبارتهايد الجنسي" أو الفصل الجنسي بين النساء والرجال، يتم طرد النساء من أماكن أو تجمّعات معيّنة لأنها "ليست أماكن للنساء"، لكن النساء يتواجدن يومياً وبحرية في الشارع المصري منذ مئات السنين، كيف يمكن اذن حل هذه المعضلة؟ الحل هو عملية "حشد" ذكوري بما يخلقه هذا من "كتلة" تؤمن فيما بينها أنها تستحق وحدها احتكار "الفضاء العام"، هو نفس تأثير الحشد/التعبئة/التنظيم السياسي الحزبي أو الآيديولوجي - لم يك لينجح هذا الحشد دون الكارت الأبيض للتحرش الذي تمنحه السلطة أو الأجهزة الأمنية، سواء بالتغاضي عن الفعل أو بتشجيعه أو باعطاء الأوامر الصريحة بارتكابه(*). مثل الكارت الأبيض الممنوح ضمنيا للجنود -من قِبل القادة العسكريين- في أوقات اجتياح المدن.
ينسى البعض أن حوادث التحرش لغرض الارهاب السياسي تقع في "الفضاء العام": الشارع، وحالة الحشد بين الذكور المتحرشين لا تُنسى بسهولة ولا تتلاشى آثارها النفسية متى ذهبت النية السياسية، بعد حادثة التحرش بالصحافيات في ٢٥ مايو ٢٠٠٥ أمام نقابة الصحافيين - وسط البلد- أبدى الجميع حيرةً واندهاشا من حوادث التحرش الجنسي الجماعي شبه المنظم في عيد الفطر ٢٠٠٦ بمناطق متفرقة بوسط البلد. رغم أني أميل للربط بين الحادثتين.
استخدام التحرش الجنسي كأداة سياسية - بالاضافة للأمثلة السابقة، التحرش الجماعي في ميدان التحرير نوفمبر ٢٠١٢ و يناير ٢٠١٣ وغيره - قد انتقل بالمتحرش من مرحلة ارتكاب الجريمة ﻷنه يأمن العقوبة إلى ارتكابها وهو متأكدٌ أن هذا ما يريد فعله الرجال الآخرون في المكان، عزوفهم عن التحرش لا يُفسّر كالتزام أخلاقي بل لأنهم يفتقدون الكارت الأبيض، الذي مُنح لـ"بعض" الرجال في "بعض" المواقف من قبل السلطة لخدمة "بعض" الأغراض سياسية. تكرار استخدام التحرش لأسباب سياسية يقوّي الأثر النفسي لعملية الحشد السياسي المؤقت أو الدائم لعدد من المتحرشين، لقد تمت شرعنة العنف للأبد، وأصبحت حالة الحشد ممكنة وجاهزة وحاضرة سواء في اطار سياسي أو مع انعدام الاطار السياسي.
يُقابل هذا افتقاد النساء المتزايد لأي نوع من الحشد سواء كان اجتماعيا أو سياسيا أو نفسيا فيما بينهن، فالآثار النفسية للكارت الأبيض تعدّت التضامن بين المتحرشين من الذكور إلى مرحلة الضوء الأخضر للتجمع والاحتشاد لأجل التحرش جماعياً بأي مظهر من مظاهر "التنظيم/التضامن/التجمّع/الاحتشاد السياسي" بين النساء وبعضهن البعض، أوضح أشكال هذا ظهرت في حادثة التحرش الجماعي بالمسيرات النسائية بالتحرير في يوم المرأة العالمي ٨ مارس ٢٠١١. قد يملك البعض رفاهية التصريح بأن "الاستخدام السياسي للاعتداء الجنسي على النساء" هو أحد "مظاهر المشكلة" وليس سبب لها حين يعقب هذه الحادثة مباشرة، أي في ١١ مارس ٢٠١١، كارثة كشوف العذرية.
التفرقة بين النساء وبعضهن البعض قديمة للغاية، فكما هنالك تفرقة طبقية هنالك تفرقة بين المرأة "العلمانية المستقلة" وبين المتدينة، فالمحجبة مختلفة عن غير المحجبة إلى درجة العداء، والمنتقبات ينتمين إلى "طبقات اجتماعية" مُهمشة و"بيئة" و"همجية" بينما التي تكشف شعرها تملك رفاهية الذهاب لمصفف الشعر يومياً، تصل أدوات البطريارك للتفرقة بين النساء وبعضهن البعض لمستوى "اقليمي"، فهنالك اهانة مستمرة وتصغير وتحقير للمصرية وحجابها أو سفورها مقارنة بغيرها من العربيات. بشكل عام، هنالك "تفرقة" وتمييز وتصنيف وابتكار لأنماط وصفات عجيبة خرافية لأنواع مختلفة من النساء ليست موجودة إلا في رأس البطريارك أو المثقف المتحرش، وهذه تخدم غرضا وحيداً هو "اقناع النساء" أنفسهن وجعلهن يؤمّن بأن ثمة فروقاً غير متهاونة بينهن، لا يمكن المصالحة بينها أو اذابتها. إلى درجة أن يمارسن هن أنفسهن العنف النوعي (gender-based violence) ضد بعضهن في أماكن "الآبارتهايد الجنسي" مثل عربات المترو.
الملحوظ في حوادث التحرش الجماعي أن "الحشد" ينفرد في النهاية بامرأة واحدة فقط، الحشد يتوجه ليفصل امرأة واحدة عن المجموعة التي كانت تقف وسطها، يتم انتزاعها بعيداً، حتى في حالات الاعتداء علي المسيرات الجماعية للنساء، يبدو لي أن هذا الحشد "يفقد برمجته" حين يُواجه "بتجمّع نسوي" قوي ومتماسك، فهو عاجز عن ممارسة ارهابه اذا النساء احتشدن في المكان ولم يتفرقن. وقد يزول بالكامل، ويزول عنفه و"كارته الأبيض" وتعبئته السياسية اذا وُوجه بحشد نسوي "معبّأ" بالمثل.
(*) في عدد من تقارير نظرة، أدلت الضحايا بشهادات عن ضباط برُتب عليا يقولون للعساكر بعد القبض على متظاهرة "ماتلمسوهاش.." فيلي ذلك مباشرة عنفا جسديا وتحرشا واعتداءات جنسية على الضحية.
No comments:
Post a Comment