أشعر بالاحباط من نفسي، كلما تذكّرت أو رأيت أو قرأت، أو عاودتُ القراءة، عن فتاة التحرير -في أحداث مجلس الوزراء، ديسمبر ٢٠١١- تدمع عيناي. وهو انزعاج من هذه الهشاشة تجاه الرمزيات، ظروف العنف النوعي (gender-based violence) الذي تعرضت له فتاة التحرير تحمل ثقلا رمزيا/وطنياً لم يتواجد في أحداث أخرى لا تقل بشاعة- مثل كشوف العذرية، مارس ٢٠١١- أو حتى الاعتداء على الصحافيات من قِبل بلاطجة النظام في مايو ٢٠٠٥. في دراسات العنف ضد المرأة في فترة الأزمات والنزاعات السياسية أو المسلحة هنالك رأي - أتفق معه- أن العنف الجنسي الموجه ضدهن المقصود به اهانة واذلال الهوية الوطنية - لقد وقعت في نفس الاختزال الرمزي، الاعتداء على جسدها تم استعيابه فكرياً كاعتداء على مفاهيم جمعية ميتافيزيقية من قبيل الشرف والوطن والقومية أو حتى الثورة نفسها. هذه المشاعر قادمة من نفس المكان الذي أتى منه العنف الجنسي في المقام الأول. هذا نزع لآدمية الضحية، تشييئها، وتحويلها إلى امتداد للهوية المركزية التي هي هوية الذكر، أو ملكية له. في هذا الفكر نفس السلبية الناعسة في تعبيرات مثل "مصر أمّ الدنيا".
و يتوازى مع التنميط القديم أن الذكور همّ المكلّفين بحماية "نساء الجماعة"، أو الوطن. إن العنف الواقع عليهن عارٌ لأنه يستهدف شرف الذكر حين لم يتمكن من حمايتهن. وليس لأنه جريمة في حق إنسان كامل الأهلية. مستقل تماماً عن غيره. هذه المونولوغات المختلّة تصل إلى مداها، ليس فحسب في الرمزيات المتبادلة بين نحن والعدو. حيث أن الاعتداء على "حريم" العدو هو تجريد للعدو من "فحولته"، والعكس صحيح. بل حين يتخذ البطريارك - ومن يقع في دائرة نخبته- "فانتازيا" منحرفة عن الجماهير. الجماهير الهستيرية، غير العقلانية، فاقدة الأهلية، التي تحتاج لوصاية، التي تسيء الاختيار، والتابعة لبطريارك، والمتطلّبة أو المسؤولة منه.
الحجّة أن "تأنيث" الجماهير بغرض نزع الأهلية عنها وتبرير العنف ضدها، فكرة مصدرها أن البطريارك له مطلق الحرية في تعنيف شعبه فقط لأنه "الدكر" أو رجل البيت، وكل ما لا يتوحّد مع "هويته" يصبح في مرمى النيران.
ورد هذا الاقتباس من كتاب سوزان براونميلر، "ضد ارادتنا":
ورد هذا الاقتباس من كتاب سوزان براونميلر، "ضد ارادتنا":
العقلية النازية تصوّر الجماهير على أنها "أنثوية وضعيفة" - يخلص الاقتباس من كتاب براونميللر أن هذه العقلية هي التي سوف تلجأ بعد حين لكل أشكال العنف الجندري/السياسي تجاه النساء، كوسيلة قمعية. الاقتباس يساعد في استنتاج أن أبشع مستويات العنف هي الناتجة عن "خيالات" مرتكبيه عن الهوية القومية أو الوطنية أو هوية الأب نفسه كـ"رأس الدولة/النظام"، مثلا، عسكري الأمن أو الجندي يتخيّل نفسه متوحداً مع "نظام" قمعي مدافعاً عنه - عن بقاءه، بما أن بقاء النظام من بقاء زبانيته- وهذا يبرر العنف ضد النساء أو المعارضة أو المتظاهرين.
هي ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها باسم يوسف ميتافور بذيء مُهين للمرأة، لكنني أجده الأخطر.
فيه يقوم خالد منصور بتمثيل دور هزلي لامرأة اسمها "جماهير"، والمقصود، بالفعل، ميتافور ينطبق مع الاقتباس السابق للتخيّلات النازية المنحرفة عن الجماهير المقموعة والمستعبدة أو المستسلمة للسلطة سواء بارادتها أو نتيجة لحمقها وسوء اختيارها، والسبب الثاني هو الوارد هنا في الفيديو، جماهير امرأة اختارت الرجل الخاطئ، في اعادة تدوير لحالة "عنف منزلي" شائعة لكن في اطار الميتافور السياسي. يستخدمه باسم يوسف ليمرر رسالة أنه "ثمة دكر أفضل من الحالي.." فحسب. لا أكثر، ولا أقل. المثير للاهتمام كيف تمّت الاستعانة بعناصر أخرى للدلالة على "الدونية"، فجماهير تنطق حرف التاء بالطريقة التي "يتخيل" النخبة - من أمثال باسم يوسف- أن نساء الطبقات الاجتماعية الأكثر تهميشاً، أو "الأقل" بشكل عام، تنطقه بها. (نفس اللكنة التي أدّتها دنيا سمير غانم في فيلم "طير إنت"، حين كانت تلعب شخصية بائعة في بوتيك") -نفس هذه اللكنة يهزأ منها باسم يوسف في "الإفّيه" الشهير "هانشد ميشد"، في نوع من الـbullying لامرأة ما لا أعرف سببا لاستهدافها بالاستئساد أو "التريقة". أو بشكل عام، لهجة جماهير مختلفة عن لهجة أسامة منير أو باسم يوسف "ممّن تلجأ إليهم لطلب المشورة والعون".
تأتي تحرّشات وزير الاعلام الاخواني صلاح عبد المقصود في نفس التيار، صحيح أنه استفتح فترته الوزارية بتحرش جنسي سافر.
ليس جديدا على "الدولة" استخدام هذا الأسلوب لقمع المعارضة - من السيدات أو الرجال- واستخدام الاستهداف والعنف الجنسي، لكنه ظهر واضحاً في صورته "الرمزية"، التي يعبر عنها اقتباس براونميلر، المُسيء أن من يعدّ محسوباً على المعارضة والنخبة والمثقفين "يبتذل" هذه الرموز في أسوأ مستوياتها، صلاح عبد المقصود يستهدف الصحافيات اللائي يسائلنه عن حرية الصحافة أو الاعلام أو اللائي يشكلن تهديداً سياسياً له، وهو في موقعه الهشّ كوزير حكومة فاقدة الشرعية، يأتي تعبير "تعالي أقولك فين" مستهدفاً امرأة كرمز "للجماهير" - وبنفس العقلية التي كانت وراء اسكيتش باسم يوسف عن "الجماهير"، بوصفه مثقف متحرّش، لم يزد ردّ فعله- المحبط لكن المتوقع نوعاً- عن رفع مستوى "الإفّيه" المتحرش والمسيء للمرأة، بنكتة "تعالى ماسبيرو ونجيب ميرو" ردّاً على وزير "اعلام" متحرش، بطريقة، أنا أيضا في جعبتي المزيد مما لا تستطيع مجاراته. هي "عركة" تزداد وضاعة لأن الطرف المحسوب على النخبة أو المعارضة أو المثقفين غير قادر حتى على ادانة العنف أو التحرش.
No comments:
Post a Comment