أهم ما يميز المسيرة النقدية لادوارد سعيد، الى جانب كتابه الاستشراق، وأطروحة الاستشراق بشكل عام، وتيار النقد للخطاب الكولونيالي، والكتابات ما بعد الكولونيالية، هو انتقاده لأطروحة هنتنغتون بخصوص صراع الحضارات.
يقول سعيد، أن كلام هنتنغتون هراء. لأنه يستند إلى فرضية تماسك أو وضوح الحدود الدقيق لكل معالم/مميزات وخصائص الحضارة الغربية. أو الإرث اليهودي-مسيحي. في مقابل الثقافات الشرقية العربية أو الكونفيوشوسية.
سعيد يؤمن - وأكاد أوافقه- أن أي حضارة أو ثقافة هي نتاج تفاعل وتمازج طويل الأمد. الدلائل التاريخية تقف مع كلامه: فمثلاً النسك الرهباني، والتراتيل الكنسية، التي ميّزت الحضارة الأوروبية ما-قبل-النهضة ترجع أصولها للشرق. مصر تحديداً في المثال الأول، وبيزنطة للمثال الثاني. وهنالك من يذهب للقول أن الفكر الأخلاقي - مقابل الفكر الميتافيزيقي، الذي ميّز عهد الأنوار، ترجع أصوله لتأثّر مفكري أوروبا بابن رشد، وابن سينا، وابن خلدون، واخوان الصفا، مقابل أفكار توماس أكويناس الميتافيزيقية.
في هذا تعميم جارح، لكنه مجرد محاولة شخصية لتبيان خطوط التمازج سواء الخفية أو العريضة. في أفكار سعيد براكتيكية سياسية جيّدة. لأن هراء هنتنغتون وفوكوياما - اللذان يسميهما سعيد بالأصوليين الجدد- تتم معاملته في مراكز صنع القرار بالغرب كآجندة عسكرية-سياسية. وطريقة تعامل عصرية مع الشرق، في هذا تقاطع مع أفكار سعيد بشأن الاستشراق، كأداة سياسية وطريقة لاستقبال الشرق ومعاملته وليس مجرد اهتمام ابيستمولوجي.
للأسف. أطروحات هنتنغتون زادت سُعار العصر ما بعد العام ٢٠٠١ وتفجيرات سبتمبر. سُعار : القطبية. قد تقطّب العالم، يميل المفكّرون السياسيون إلى اعتبار فترة ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي فترة الصراعات الاقليمية، والقطبية التي أرعبت العالم مذ الحرب الثانية حتى التسعينيات تم استبدالها بمعارك اقليمية لصالح القوّة الوحيدة المتبقية. المؤسف أن القطبية صارت أسوأ، ليست آيديولوجية، بل عقائدية.
في محاولات سعيد لاقتراح حلّ للمسألة الفلسطينية، ينادي بالدولة المزدوجة، وليس الدولتين المنفصلتين، هذا يعني تمازج هويات الفلسطينيين والاسرائيليين للعيش جنباً إلى جنب في دولة واحدة.طبعاً، وبحد تعبير صفحة ويكي، هذا كابوس بالنسبة للكيان الصهيوني ذي الهوية المسعورة. بينما تبدو لي بشكل شخصي. أطروحة سعيد طوباوية لدرجة تكاد تكون كوميدية. ولعلها تبدو للجميع "خاطئة" ربما لأنها التخيل الأقرب للجنة.
عموما. أصل الفكر السياسي هو محاولات دنيوية لتخيل جنة. يتخيلها دانتي كنظام عالمي موحد يحكمه ملك واحد. ويتخيلها ماركس كعودة لمرحلة الشيوعية الأولى/البدائية. يتخيلها سعيد كتعايش سلمي لكل الهويات/الجنسيات معاً. ويستمر سعيد في أطروحته لرفض كل أشكال "الهوية/القومجية" المتطرفة. وبرأي سعيد -اليساري - أي نوع من القومجية أو اشتعال الهوية يؤدي لنتائج مؤسفة. يسمّي سعيد تعصّب الهويات/كما يعبّر عنه كذلك أمين معلوف في "هويّاته القاتلة" : المأساة الأسوأ في العالم الثالث. بدا هذا الكلام مذ سنوات عصيّاً على التسامح - ربما بالنسبة للقاريء العربي بالذات- لكنه بدا لي الآن - ٢٠١٠، ٢٠١١- بعيد النظر. عموماً، وإن كانت تخيلات سعيد طوباوية، فهذا يفسّر ابتعاد الحال العالمي الآن عنها، وأي سير تجاه المزيد من التحزّب/القطبية/العصبية، يعني السير إلى مراحل غير-طوباوية، أو ظلامية.
مُدخل ادوارد سعيد لانتقاد النزعات العصبية تجاه الهويات ربما مصدره نقده للاستعمار/الامبريالية الغربية المشحونة لأجل تصدير الوهم الميتافيزيقي/الطوباوي للهوية الغربية المثالية. لذا فلا أظنّ أن "الهوية" أزمة العالم الثالث وحده، هذا العام.
هذا العام وسابقه خيم عليه نوع من سعار الهويات، في أماكن متعددة، وتزداد نتائج استطلاعات الرأي في أوروبا تطرفاً، تجاه العرب، بشأن موضوع "الهوية الأوروبية". بينما تتطرف الهويات تجاه بعضها بعضا في أماكن متفرقة من الشرق الأوسط (وهذا التطرف كذلك واقع في بركة من الوهم). يشدد ساركوزي، في خطابه الرئاسي بمناسبة العام الجديد، على "سذاجة" دعاوي من يقترح على فرنسا الانسحاب من اليورو. مشدداً-من جديد- على مسألة: هوية فرنسا المرتبطة بهوية أوروبا، وهوية أوروبا، وحمايتها، الخ. تتكرر كلمة هوية أكثر من مرة في خطابه بشكل يجعلي أتذكر كلام سعيد. ولا أعرف إن كان يعني كلامه بشأن الهوية الأوروبية المزيد من المطاردات للغجر.
يقول سعيد، أن كلام هنتنغتون هراء. لأنه يستند إلى فرضية تماسك أو وضوح الحدود الدقيق لكل معالم/مميزات وخصائص الحضارة الغربية. أو الإرث اليهودي-مسيحي. في مقابل الثقافات الشرقية العربية أو الكونفيوشوسية.
سعيد يؤمن - وأكاد أوافقه- أن أي حضارة أو ثقافة هي نتاج تفاعل وتمازج طويل الأمد. الدلائل التاريخية تقف مع كلامه: فمثلاً النسك الرهباني، والتراتيل الكنسية، التي ميّزت الحضارة الأوروبية ما-قبل-النهضة ترجع أصولها للشرق. مصر تحديداً في المثال الأول، وبيزنطة للمثال الثاني. وهنالك من يذهب للقول أن الفكر الأخلاقي - مقابل الفكر الميتافيزيقي، الذي ميّز عهد الأنوار، ترجع أصوله لتأثّر مفكري أوروبا بابن رشد، وابن سينا، وابن خلدون، واخوان الصفا، مقابل أفكار توماس أكويناس الميتافيزيقية.
في هذا تعميم جارح، لكنه مجرد محاولة شخصية لتبيان خطوط التمازج سواء الخفية أو العريضة. في أفكار سعيد براكتيكية سياسية جيّدة. لأن هراء هنتنغتون وفوكوياما - اللذان يسميهما سعيد بالأصوليين الجدد- تتم معاملته في مراكز صنع القرار بالغرب كآجندة عسكرية-سياسية. وطريقة تعامل عصرية مع الشرق، في هذا تقاطع مع أفكار سعيد بشأن الاستشراق، كأداة سياسية وطريقة لاستقبال الشرق ومعاملته وليس مجرد اهتمام ابيستمولوجي.
للأسف. أطروحات هنتنغتون زادت سُعار العصر ما بعد العام ٢٠٠١ وتفجيرات سبتمبر. سُعار : القطبية. قد تقطّب العالم، يميل المفكّرون السياسيون إلى اعتبار فترة ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي فترة الصراعات الاقليمية، والقطبية التي أرعبت العالم مذ الحرب الثانية حتى التسعينيات تم استبدالها بمعارك اقليمية لصالح القوّة الوحيدة المتبقية. المؤسف أن القطبية صارت أسوأ، ليست آيديولوجية، بل عقائدية.
في محاولات سعيد لاقتراح حلّ للمسألة الفلسطينية، ينادي بالدولة المزدوجة، وليس الدولتين المنفصلتين، هذا يعني تمازج هويات الفلسطينيين والاسرائيليين للعيش جنباً إلى جنب في دولة واحدة.طبعاً، وبحد تعبير صفحة ويكي، هذا كابوس بالنسبة للكيان الصهيوني ذي الهوية المسعورة. بينما تبدو لي بشكل شخصي. أطروحة سعيد طوباوية لدرجة تكاد تكون كوميدية. ولعلها تبدو للجميع "خاطئة" ربما لأنها التخيل الأقرب للجنة.
عموما. أصل الفكر السياسي هو محاولات دنيوية لتخيل جنة. يتخيلها دانتي كنظام عالمي موحد يحكمه ملك واحد. ويتخيلها ماركس كعودة لمرحلة الشيوعية الأولى/البدائية. يتخيلها سعيد كتعايش سلمي لكل الهويات/الجنسيات معاً. ويستمر سعيد في أطروحته لرفض كل أشكال "الهوية/القومجية" المتطرفة. وبرأي سعيد -اليساري - أي نوع من القومجية أو اشتعال الهوية يؤدي لنتائج مؤسفة. يسمّي سعيد تعصّب الهويات/كما يعبّر عنه كذلك أمين معلوف في "هويّاته القاتلة" : المأساة الأسوأ في العالم الثالث. بدا هذا الكلام مذ سنوات عصيّاً على التسامح - ربما بالنسبة للقاريء العربي بالذات- لكنه بدا لي الآن - ٢٠١٠، ٢٠١١- بعيد النظر. عموماً، وإن كانت تخيلات سعيد طوباوية، فهذا يفسّر ابتعاد الحال العالمي الآن عنها، وأي سير تجاه المزيد من التحزّب/القطبية/العصبية، يعني السير إلى مراحل غير-طوباوية، أو ظلامية.
مُدخل ادوارد سعيد لانتقاد النزعات العصبية تجاه الهويات ربما مصدره نقده للاستعمار/الامبريالية الغربية المشحونة لأجل تصدير الوهم الميتافيزيقي/الطوباوي للهوية الغربية المثالية. لذا فلا أظنّ أن "الهوية" أزمة العالم الثالث وحده، هذا العام.
هذا العام وسابقه خيم عليه نوع من سعار الهويات، في أماكن متعددة، وتزداد نتائج استطلاعات الرأي في أوروبا تطرفاً، تجاه العرب، بشأن موضوع "الهوية الأوروبية". بينما تتطرف الهويات تجاه بعضها بعضا في أماكن متفرقة من الشرق الأوسط (وهذا التطرف كذلك واقع في بركة من الوهم). يشدد ساركوزي، في خطابه الرئاسي بمناسبة العام الجديد، على "سذاجة" دعاوي من يقترح على فرنسا الانسحاب من اليورو. مشدداً-من جديد- على مسألة: هوية فرنسا المرتبطة بهوية أوروبا، وهوية أوروبا، وحمايتها، الخ. تتكرر كلمة هوية أكثر من مرة في خطابه بشكل يجعلي أتذكر كلام سعيد. ولا أعرف إن كان يعني كلامه بشأن الهوية الأوروبية المزيد من المطاردات للغجر.
No comments:
Post a Comment