Monday, August 2, 2010

ليه يا بنفسج



 لماذا، هيباشيا السكندرية، هي الفيلسوف الوحيد في لوحة (مدرسة أثينة) الذي ينظر للمُشاهِد مباشرة ؟
لا أعرف.
هنالك شخصية أخرى تنظر لنا مباشرة حين مطالعة هذه اللوحة، وهي الرسام نفسه، رافايل في أقصى اليمين. وكلاهما له الوضعية ذاتها، والنظرة ذاتها، يقفان متقابلين، رافايل أقصى يمين الناظر، وهيباشيا أقصى يساره، والناظر من بُعد سوف يحسّ أن الاثنين معاً متحالفان على شيء ما.  عدا ذاك، كل الفلاسفة تقريباً، وكلهم من الرجال، لا ينظرون لنا.

باعتبار هيباشيا (شهيدة) للفلسفة، أو، بتعبير آخر، للمنطق والعقلانية. ولو أخذنا لفظة شهيد/ شاهد، وهي بنفس المعنى كذلك في أصلها اليوناني (mártys)، هيباشيا في اللوحة (شاهدة) على المنظر، على مدرسة أثينا، وعلى الفلسفة الغربية عموماً.
تختلف شهادة هيباشيا عن شهادة سقراط، سقراط حوكم محاكمة شرعية، وقد تُعتبر عادلة، ولأن المحاكمة كانت قانونية، شرعية وعادلة وتتفق مع الارادة الشعبية، في نظر سقراط، فقط أذعن لقرارها وشرب السمّ بنفسه. الملابسات والوقائع (المتحضرة/المتمدينة) لاستشهاد سقراط تختلف عن وقائع استشهاد هيباشيا التي كانت حادثة شديدة البربرية، في مدينة بربرية، أثينا التي تقع في قلب العالم الاغريقي، قلب السكولائية، العقلانية والمنطق. والغرب، في مقابل الاسكندرية، المدينة المحدثة، في أثينة هنالك الديموقراطية، بينما يحكم اسكندرية ملوك متوارثون، وفي الاسكندرية هنالك التيه والتخالط والتخبط الثقافي، والضحالة الفلسفية. في حين مثلت أثينة للعالم الغربي ذروة الانتاج الفلسفي وتناغم الغرب.


دم سقراط لم يُهدر، ومن بعده أتى أفلاطون، الذي، بحسب روايته لمحاكمة سقراط، تلقى منه الحكمة همساً، وسار على النهج السقراطي في محاوراته المنطقية، ومن بعد أفلاطون أتى أرسطو الذي أرسى بشكل نهائي وكامل العادة المنطقية السقراطية، ومن بعد أرسطو هنالك ديوجين وزينون وأبيقور وغيرهم.
بالنسبة لهيباشيا، فإن حادثة موتها سجّلت تقريباً (نهاية التنوير الهيللينستي)، وفي القرن ذاته يصدر مرسوم امبراطوري بتأثير من الكنيسة وبابا روما باغلاق كافة مدارس الفلسفة. ويمكننا أن نقول: هيباشيا هي آخر فيلسوف غربي. قبل العصور المظلمة.

دم هيباشيا الذي أهُدر في مدينة موحشة وبربرية ربما يعدّ تفسيراً لنظرتها (الدائنة)، رافايل، كي يتمكن من اقحام هذه الشخصية التي لم تزل الكنيسة في أيامه تعتبرها وثنية، وخارج نطاق (المسموح) به فلسفياً، فهو يعطيها وجه فرانسيسكو ماريا ديللا روفير، وإن كان رافايل يقصد بهذه الحركة اتقاء شر الرقيب الديني. ففي طريقته لرسمها، مواجهة للناظر مباشرة، نظرة قوية ودائنة، ربما كان يقصد ادانة مباشرة لمن يعتبرهم ملطخين بدم هيباشيا.


والنظرة العارفة أو الحكيمة التي لوجهها قد تذكرنا بنظرة الموناليزا، وهنا قد نذكر التأثيرات النهضوية، في حين كان لدانتي بياتريس الملهمة، والموناليزا لدافنشي. لا يغفل رافايل عن جعل تصويره لهيباشيا كذلك يقع في اطار (الملهمة) التي هيمنت على الذوق والفن النهضوي الذي أراد استعادة جماليات الإغريق. مثلما ذكرنا بشأن وضعيّتهما كمتقابلين، فإن هيباشيا هي الوحيدة التي تنظر للمشاهد، وكأنها تعرف بوجوده، مثلما يعرف الرسّام بوجود من سيشاهد عمله، وهي في هذا، في وجودها وتصويرها هكذا كأنما تعرف شيئاً لا يعرفه بقية الفلاسفة باللوحة.

No comments: