الماتامورو لفظة إسبانية تعني "قاتل العرب" أو سفاح العرب، أما الذي كان مقصوداً بها فهو القديس الراعي للمملكة الأسبانية الكاثوليكية من الفترة 1600 وحتى 1760، وقد رُجحت كفة الماتامورو على كفة القديسة تيريزا الأبيلية، من اختاروه رأوا فيه "هوية" الشعب الأسباني في القرن السابع عشر، أو ما تحتاجه هوية الشعب وقتئذ. (وفي كل الأحوال، من المتوقع أن يجري اختيار قديس محارب ليكون راعي الأمة - رغم اشارة بعض المصادر لأن شعبية القديسة كانت أقوى لدى الطبقات الدنيا من الشعب) حين كانت الأمة مهددة بأخطار عميقة - من كل جهة - والممالك الكاثوليكية تتهاوى حولها في القبضة البروتستانتية، بما أن الماتامورو سفاح للعرب فقد جعله هذا الراعي الأقوى لحروب الاسترداد. وحامي الكاثوليكية من كل الشرار.
في الواقع، تكاد تكون تلك الشخصية المسماة بالماتامورو خيالية بالكامل، ونقول تكاد لأن جزءاً منها يحمل بعض الصحة التاريخية، القديس سانتياغو الماتاموروس أو القديس جيمس سفاح العرب. تفترض الحكاية أن ذاك هو نفسه يعقوب بن زبدي أحد حواريي المسيح. الأساطير حوله تشير إلى ظهوره بصورة "سانتياغو الماتاموروس" وليس يعقوب الزبيدي، فقد ظهر كقديس محارب يعين المسيحيين على هزيمة المسلمين في معركة كلابيخو، هذه المعركة هي كذلك خيالية بالكامل، ولعل كونها خيالية يخفف من وقع الحكاية التالية: فهذه العركة حصلت بين راميرو الأول ملك أستورياس المسيحي وبين المسلمين، الذين، بعد موت ألفونسو الثاني ملك أستورياس السابق، طالبوا وريثه بإتاوة الصبايا المائة، تصرح صفحة ويكي الخاصة بها أنه ليس ثمة أي "مصادر" تاريخية لهذا "الحوار"، ولكن، لا بأس: تلك الإتاوة كانت نتيجة اتفاقية قديمة بين مملكة أستورياس والإمارة الجارة "امارة قرطبة"، والحكاية بصراحة، أنه في عام 783 ميلادية، أفلح الملك موريغاتوس الأستوري في الجلوس على عرش أستوريا بعون أمير قرطبة عبد الرحمن الأول - ذاك، هو عبد الرحمن بن معاوية، صقر قريش شخصياً- وثمنا لذاك فقد طلب عبد الرحمن من المسيحي موريغاتوس إتاوة سنوية من خمسين عذراء نبيلة وخمسين أخريات من العوام. وقد قُتل موريغاتوس في 788 ميلادية على يد نبيلين بسبب موافقته على الإتاوة، وقد أتى مليك اسمه ألفونسو الثاني، ذاك المسيحي التقي رفض الإتاوة كلياً - بعدما كان الملوك الذين سبقوه يتفاوضون لجعلها من الأموال- وبحسب وجهة النظر هذه، التي ترى أن معركة اللوتص قد قامت لأجل أن يحارب ألفونسو العرب ليرجئهم عن المطالبة بالإتاوة. والملك الذي تلاه، راميرو الأول، هزم العرب شر هزيمة في معركة الكلابيخو عام 842. (بمعاونة الماتامورو)، عبد الرحمن الثاني جبن من أن يطلب تلك الإتاوة مجددا.
من مدة كنت أشاهد فيلم "المستشار" وقد أتى فيه حوار عن العرب، في أجواء من عصابات المخدرات والسلاح، تقول شخصية خافيير باردم في الفيلم لشخصية مايكل فاسبندر أنه "لا يعمل بزنس أبداً مع العرب" - وقد أتى هذا التصريح بعدما كان يثرثر له ويذكر مثالا، لو ترك عربياً مع عشرة - أو نحوها - من المكسيكيين في حجرة وسأله، من تظنه سيبقى واقفاً؟ وقد رأى أن العربي سيبقى إلى النهاية. ولكن، سأله فسبندر، لماذا قد لا يعمل بزنس مع العرب، فأجابه "لأن العرب لا يريدون أموالك". وقد تذكرت هذا في معرض قراءتي لحكاية الإتاوة، خاصة حين حاول بعض من ملوك المسيحيين المساكين استئذان العرب أن يحولوا الإتاوة لمبلغ مالي. أذكر أنه ساعة مشاهدتي للفيلم، بما أنني -بطبيعة الحال-لا أقيم وزناً للستريوتايب عن العرب - ولن أفهمه- وبخاصة أن هذا الحوار قد أتى تالياً لحوار بين المستشار (مايكل فسبندر) وجواهرجي يهودي ذكر بشكل عابر مسألة طرد اليهود من الأندلس/أسبانيا. والآن لعلي فهمت، اذن، العرب يطلبون منك حريمك؟
ثمة طرافات تاريخية عدة بخصوص حكاية الماتاموروس، ومنها العادة أن يقدم الحاكم الأسباني الأضاحي لتمثال القديس ماتاموروس في كاتدرائية سانتياغو بكومبوستيلا، وفي مرة، بعث فرانكو بجنرال مغربي نيابة عنه لتقديم الأضاحي للتمثال، وحينها، حسبما يقال، تم تغطية رؤوس الموور المقطوعة في ذاك التمثال. ولا أدري ما الذي كان يفكر فيه فرانكو النبيه، ولكن ثمة مفارقة سخيفة في المسألة، إذ أن فرانكو قد استعان بالعرب المغاربة مثله مثل مواطنه الأقدم موريغاتوس الأول، لأجل أن يجلس على عرش أسباني.
ولكن، بما أن سانتياغو يستجيب للندهة لأجل شرف الرجال الأسبان والكرامة الوطنية المدنسة بعيث العرب فسادا في حرائر الأمة الأسبانية من النبيلات والعوام، فقد قلت أن المسألة - كالعادة -تتعلق بالحريم. فذاك القديس ليس بالشعبية التي نتصورها، أجل، تيريزا الأبيلية أكثر شعبية منه، ولكني أقصد كذلك الأعمال الفنية، إن موضوعه ليس من الموضوعات العظيمة في الفن الأسباني، وبحسب معارفي المتواضعة جدا - ولعلي مخطئا - فهو ليس حاضرا في اللوحات مثل قديسين آخرين، ربما ﻷن ظهوره - أو معجزته- قد جاءت متأخرة جدا في زمن يسهل فيه التمييز بين الهلاوس والضلالات والقول الحق، وحتى المعركة التي يقال أنه قد ظهر فيها، كانت خيالية بالكامل، لم تقع قط. لقد تضائل الحضور "الفني" والثقافي لسانتياغو لدرجة أنني لم أسمع به قط، ولم أعرفه من قبل، رغم اهتمامي بالموضوع الأندلسي والأسباني، إلا من رواية اللوح الأزرق لغيلبير سينويه. لقد مرت عيني على اسمه "سانتياغو" كثيراً، ولعدة أيام، دون أن ألحظ، حقا، ما "تقلّص" إليه القديس ماتاموروس، في لحظة من لحظات الضمير الشعبي النادرة، فذاك قديس "قاتل"، حتى لو كان قاتلا للأعداء، وحاميا للشرف الأسباني، حتى مار جرجس أشهر القديسين المحاربين، ليس قاتلا، بل شهيد وصاحب آلام عظيمة. إن الضمير الشعبي والعواطف تلك لا تتماهى حقا إلا مع الشهداء، بحسب رأيي.
ولأن تلك المسرحية عن موور، يستولي على امرأة مسيحية ليست " من حقه"، فقد ظهر سانتياغو في الحكاية، ليؤدي دور "استردادي" بلا شك. ومثل الريكونكويستا التاريخية، التي gone very wrong. وقلبت بمحاكم تفتيش، وتوليع وحرق. فهكذا كانت الريكونكويستا بمسرحية "عطيل" الموور، إن اسم الغريم وأساس الشر ومفرق الجماعات، والشيطان نفسه، بحسب ورق التاروت الشكسبيري، ياغو، قد يبدو مصادفة، ولكن بوجود موور في المسرحية فإن هذا كثير جداً. كي أسكت عليه وأدعه دون مبالغات تنظيرية. لقد تقلص الماتاموروس إلى شخصية شيطان حسود، فحسب. يكره الموور، ويستكثر عليه "فوزه" بهذه المرأة، فيقرر أن يخربها عليه. لقد جرده شكسبير حتى من دوره البطولي الوحيد، أي تفوقه في القتال، وفي المعركة، فإن ياغو لا يقتل، ولا يدخل في مبارزة "شريفة" مع غريمه، بل يتلوى ويلتف مثل الأفاعي. وهذا "آخره"، إنه ليس ماتاموروس بمعنى أنه لا يقتل الموور، بل إن الموور في المسرحية هو القاتل، قاتل نفسه وهو كذلك- كالعادة- من يضيع على نفسه "الفردوس".
في الواقع، تكاد تكون تلك الشخصية المسماة بالماتامورو خيالية بالكامل، ونقول تكاد لأن جزءاً منها يحمل بعض الصحة التاريخية، القديس سانتياغو الماتاموروس أو القديس جيمس سفاح العرب. تفترض الحكاية أن ذاك هو نفسه يعقوب بن زبدي أحد حواريي المسيح. الأساطير حوله تشير إلى ظهوره بصورة "سانتياغو الماتاموروس" وليس يعقوب الزبيدي، فقد ظهر كقديس محارب يعين المسيحيين على هزيمة المسلمين في معركة كلابيخو، هذه المعركة هي كذلك خيالية بالكامل، ولعل كونها خيالية يخفف من وقع الحكاية التالية: فهذه العركة حصلت بين راميرو الأول ملك أستورياس المسيحي وبين المسلمين، الذين، بعد موت ألفونسو الثاني ملك أستورياس السابق، طالبوا وريثه بإتاوة الصبايا المائة، تصرح صفحة ويكي الخاصة بها أنه ليس ثمة أي "مصادر" تاريخية لهذا "الحوار"، ولكن، لا بأس: تلك الإتاوة كانت نتيجة اتفاقية قديمة بين مملكة أستورياس والإمارة الجارة "امارة قرطبة"، والحكاية بصراحة، أنه في عام 783 ميلادية، أفلح الملك موريغاتوس الأستوري في الجلوس على عرش أستوريا بعون أمير قرطبة عبد الرحمن الأول - ذاك، هو عبد الرحمن بن معاوية، صقر قريش شخصياً- وثمنا لذاك فقد طلب عبد الرحمن من المسيحي موريغاتوس إتاوة سنوية من خمسين عذراء نبيلة وخمسين أخريات من العوام. وقد قُتل موريغاتوس في 788 ميلادية على يد نبيلين بسبب موافقته على الإتاوة، وقد أتى مليك اسمه ألفونسو الثاني، ذاك المسيحي التقي رفض الإتاوة كلياً - بعدما كان الملوك الذين سبقوه يتفاوضون لجعلها من الأموال- وبحسب وجهة النظر هذه، التي ترى أن معركة اللوتص قد قامت لأجل أن يحارب ألفونسو العرب ليرجئهم عن المطالبة بالإتاوة. والملك الذي تلاه، راميرو الأول، هزم العرب شر هزيمة في معركة الكلابيخو عام 842. (بمعاونة الماتامورو)، عبد الرحمن الثاني جبن من أن يطلب تلك الإتاوة مجددا.
من مدة كنت أشاهد فيلم "المستشار" وقد أتى فيه حوار عن العرب، في أجواء من عصابات المخدرات والسلاح، تقول شخصية خافيير باردم في الفيلم لشخصية مايكل فاسبندر أنه "لا يعمل بزنس أبداً مع العرب" - وقد أتى هذا التصريح بعدما كان يثرثر له ويذكر مثالا، لو ترك عربياً مع عشرة - أو نحوها - من المكسيكيين في حجرة وسأله، من تظنه سيبقى واقفاً؟ وقد رأى أن العربي سيبقى إلى النهاية. ولكن، سأله فسبندر، لماذا قد لا يعمل بزنس مع العرب، فأجابه "لأن العرب لا يريدون أموالك". وقد تذكرت هذا في معرض قراءتي لحكاية الإتاوة، خاصة حين حاول بعض من ملوك المسيحيين المساكين استئذان العرب أن يحولوا الإتاوة لمبلغ مالي. أذكر أنه ساعة مشاهدتي للفيلم، بما أنني -بطبيعة الحال-لا أقيم وزناً للستريوتايب عن العرب - ولن أفهمه- وبخاصة أن هذا الحوار قد أتى تالياً لحوار بين المستشار (مايكل فسبندر) وجواهرجي يهودي ذكر بشكل عابر مسألة طرد اليهود من الأندلس/أسبانيا. والآن لعلي فهمت، اذن، العرب يطلبون منك حريمك؟
ثمة طرافات تاريخية عدة بخصوص حكاية الماتاموروس، ومنها العادة أن يقدم الحاكم الأسباني الأضاحي لتمثال القديس ماتاموروس في كاتدرائية سانتياغو بكومبوستيلا، وفي مرة، بعث فرانكو بجنرال مغربي نيابة عنه لتقديم الأضاحي للتمثال، وحينها، حسبما يقال، تم تغطية رؤوس الموور المقطوعة في ذاك التمثال. ولا أدري ما الذي كان يفكر فيه فرانكو النبيه، ولكن ثمة مفارقة سخيفة في المسألة، إذ أن فرانكو قد استعان بالعرب المغاربة مثله مثل مواطنه الأقدم موريغاتوس الأول، لأجل أن يجلس على عرش أسباني.
ولكن، بما أن سانتياغو يستجيب للندهة لأجل شرف الرجال الأسبان والكرامة الوطنية المدنسة بعيث العرب فسادا في حرائر الأمة الأسبانية من النبيلات والعوام، فقد قلت أن المسألة - كالعادة -تتعلق بالحريم. فذاك القديس ليس بالشعبية التي نتصورها، أجل، تيريزا الأبيلية أكثر شعبية منه، ولكني أقصد كذلك الأعمال الفنية، إن موضوعه ليس من الموضوعات العظيمة في الفن الأسباني، وبحسب معارفي المتواضعة جدا - ولعلي مخطئا - فهو ليس حاضرا في اللوحات مثل قديسين آخرين، ربما ﻷن ظهوره - أو معجزته- قد جاءت متأخرة جدا في زمن يسهل فيه التمييز بين الهلاوس والضلالات والقول الحق، وحتى المعركة التي يقال أنه قد ظهر فيها، كانت خيالية بالكامل، لم تقع قط. لقد تضائل الحضور "الفني" والثقافي لسانتياغو لدرجة أنني لم أسمع به قط، ولم أعرفه من قبل، رغم اهتمامي بالموضوع الأندلسي والأسباني، إلا من رواية اللوح الأزرق لغيلبير سينويه. لقد مرت عيني على اسمه "سانتياغو" كثيراً، ولعدة أيام، دون أن ألحظ، حقا، ما "تقلّص" إليه القديس ماتاموروس، في لحظة من لحظات الضمير الشعبي النادرة، فذاك قديس "قاتل"، حتى لو كان قاتلا للأعداء، وحاميا للشرف الأسباني، حتى مار جرجس أشهر القديسين المحاربين، ليس قاتلا، بل شهيد وصاحب آلام عظيمة. إن الضمير الشعبي والعواطف تلك لا تتماهى حقا إلا مع الشهداء، بحسب رأيي.
ولأن تلك المسرحية عن موور، يستولي على امرأة مسيحية ليست " من حقه"، فقد ظهر سانتياغو في الحكاية، ليؤدي دور "استردادي" بلا شك. ومثل الريكونكويستا التاريخية، التي gone very wrong. وقلبت بمحاكم تفتيش، وتوليع وحرق. فهكذا كانت الريكونكويستا بمسرحية "عطيل" الموور، إن اسم الغريم وأساس الشر ومفرق الجماعات، والشيطان نفسه، بحسب ورق التاروت الشكسبيري، ياغو، قد يبدو مصادفة، ولكن بوجود موور في المسرحية فإن هذا كثير جداً. كي أسكت عليه وأدعه دون مبالغات تنظيرية. لقد تقلص الماتاموروس إلى شخصية شيطان حسود، فحسب. يكره الموور، ويستكثر عليه "فوزه" بهذه المرأة، فيقرر أن يخربها عليه. لقد جرده شكسبير حتى من دوره البطولي الوحيد، أي تفوقه في القتال، وفي المعركة، فإن ياغو لا يقتل، ولا يدخل في مبارزة "شريفة" مع غريمه، بل يتلوى ويلتف مثل الأفاعي. وهذا "آخره"، إنه ليس ماتاموروس بمعنى أنه لا يقتل الموور، بل إن الموور في المسرحية هو القاتل، قاتل نفسه وهو كذلك- كالعادة- من يضيع على نفسه "الفردوس".
وفي علاقة الموور بسانتياغو، فذاك سانتياغو آخر يظهر في رواية "أحداث موت معلن" لماركيز، سانتياغو نصار عربي أصلاً، وقد يبدو غريبا تسميته باسم قديس ملقب بسفاح العرب، ولكني أظن أن هذا استعارة من دور الموور التاريخي كقاتل لنفسه، أعني عطيل نفسه الذي قتل نفسه ولم يقتله أحد، فعلياً. لقد تسبب سانتياغو نصار في مقتله، ليس ظلما وعدوانا، بل كذلك، بسبب الحريم، وتورطه معهن، وتعديه على شرف الأسبان، في رواية "أحداث موت معلن". أو بحسب المقولة التاريخية الخالدة، "إيه اللي وداه هناك".
No comments:
Post a Comment