لا أتذكر مشهدا روائيا أفضل من ذاك الفصل، في رواية المعلم ومارغريتا، للروسي بولغاكوف، حين راحت مرغريتا تحطم كل نوافد البناية، التي تحوي شقة رجل تسبب في ضياع المستقبل المهني لحبيبها. كأديب وروائي.
لكن كيف؟ على مقشّة سحرية، بعدما دهنت جسدها بمرهم أعطاها إياه "فولند"، أو الشيطان في الرواية، واستعادت شبابها، واكتسبت قوى ساحرة.
مارغاريتا، مثل "سوبر-غيرل/ليدي" كلاسيكية، روّعت الجميع، في البناية، في الشارع وفي موسكو، إلا طفلا صغيرا ينام وحده في البرد، في شقة ما من البناية المكروبة، إنها غير-مرئية، لكن الصبي أحس بوجود إنساني، وخاطبها على أنها عمّته. تهدئه مارغاريتا وتساعده على النوم.
اسم مارغارتيا مستقى من القصة الفلكلورية الجرمانية الأشهر، فاوست، وهو أصلاً لفتاة تدخل إلى "التابلو" المانوي بين فاوست وميفستوفيلس، المزاج الشعبي يجعلها ميتافور للخطيئة، وعقدة الذنب لدى فاوست، لكن غوته يخلع عليها أدوار أكثر قوة: الموازن.
إنها موازن لأن في نسخة غوته من فاوست، خلاص فاوست متمثل في حب مارغاريت/غريتشن له. يدخل الحب كعامل رومانتيكي، من شاعر ميوله رومانتيكية، في الصراع الصارم والكابوسي بين النور والظلام، الخير والشر، إلخ.
فولند وزمرته في رواية "المعلم ومارغاريتا" يشير صراحة إلى بحثه عن سيدة تحمل اسم مارغاريتا، في موسكو، لتأخذ دور "ملكة" وراعية لحفلته العجائبية. حفلة "في العالم السفلي" تضم أموات قادمين من الجحيم، لكن لماذا مارغاريتا، في الرواية اشارات مثل" لم نجد من هو أكثر مناسبة منها"، ويبدو أنهم يبحثون عن مواصفات معينة لهذه الراعية/الملكة، أن تكون عاشقة.
في الرواية كانت مارغاريتا على استعداد بالقيام بهذه المهمة العجيبة، والبغيضة، لأنها تتوقع أن تحصل على شيء، أن تجد حبيبها مجدداً، الذي فقدت الطريق إليه، ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وهذا ما يحدث.
تتقاطع "مارغاريتا" كشخصية استثنائية مع الإرث الميثولوجي المصري القديم، تحديدا في شخصية "ايزيس"، ايزيس ذاتها مرت بتحولات كثيرة، ولا يمكن وضع معالم، حدود واضحة أو صارمة ترسم أبعاد لا تُخطيء، لكننا نتحدث عن الصورة النهائية لها التي ترسخت خصوصا في المعابد التي شيدت على شرفها في روما. "ايزيس" بحسب بلوتارك ومؤرخين آخرين، هي ملكة العالم والراعية له. وكما هي راعية "للمخطئين"، فهي ترعى المرضى واليائسين، والفقراء والأغنياء، على حد سواء. ما يهمنا هو الجزء الفلكلوري من تاريخ ايزيس، كحبيبة لأوزر، إن ايزيس لا تكتسب أهمية واضحة إلا حين يُحوّل الخيال الفلكلوري "سيث"، راعي مصر العليا، إلى ممثل للشر، القصة تكتسب أبعاد مانوية فتدخل ايزيس كموازن، بل هي البطلة الوحيدة للحكاية الميثولوجية الأهم تقريبا في الديانة المصرية الوثنية القديمة، الأمر لن يختلف كثيرا عن مارغاريتا، ايزيس العاشقة تفعل كل عجيب لتنقذ أوزر، ولـ"ايزيس" علاقة وثيقة بالسحر، تختلف عن الدور "الابيستمولوجي" لـ تحوت مثلاً، حين يأخذ دور المُعلّم، ايزيس تملك القوة السحرية -بحسب المصري القديم- التي تعالج، تنقذ، وتفعل الأعاجيب لنصرة الخير.
و ايزيس تكتسب قواها السحرية حين تستخدم الثعبان "وادجيت" للدغ رع، والحصول منه على اسمه السرّي، مهددة اياه لأنها الوحيدة التي تعرف علاج سم وادجيت، ايزيس تلعب لعبة خطرة جداً في الميثولوجيا لكن، كل هذا لأجل اعادة أوزر إلى الحياة. ومن أوزر، ايزيس تكتسب علاقتها بالعالم السفلي.
دور ايزيس، يتمثل، كما هي الشروح الحديثة للميثولوجيا، في استعادة النظام لعالم وقع في فوضى اثر انتصار "سيث"، أو عالم فقد مبادئه، لأنه لم يعد يفرق بين الخير والشر، كلا منهما فقد معناه وتحول إلى مجرد صراع بين قوتين، بين جانبين مفرطي القوى، ولم يعد ذاك الصراع يهم الإنسان العادي، شديد الضعة والتعاسة في شيء. الحب، العاطفة والأمان الأمومي هو ما يكسب هذا الصراع المعنى الوحيد.
في رواية كـ"المعلم ومارغاريتا"، التي، بحسب النقاد، تعتبر تعبيرا عن استهجان وغضب انساني من ضياع القيم في وطن فاقد لهويته، روسيا الشيوعية، حين يقف المثقف، أو من هو، كما يفترض، الشخص "المُمَيِّز"، يقف هذا المثقف وغيره بلا مبالاة أمام جرائم النظام الشيوعي ضد الأقليات، وضد الجميع تقريباً، في فترة تتميز بصراع بين القوى، شديد العبثية وخال من أي معنى انساني، (الشرق الشيوعي، الوسط الفاشي، والغرب الرأسمالي)، تأتي شخصية مارغاريتا كاستعادة للدور القديم، والمتجدد، لشخصية "راعية" ومتوازنة تصنع " النظام من الفوضى"، وفي الرواية، النهاية السعيدة إنما المحرك الرئيسي، والمسبب لها، هو مارغاريتا، إن النظر في دور مارغاريتا في الرواية كذلك يلقي بالضوء -بشكل ريتروسبيكتي- على سر اهتمام المجتمع الروماني، الغربي المفرض في غربيته وعقلانيته، المعادي للشرق بطبيعته، حين يحتضن شخصية كـ"ايزيس"، في عصر فوضوي، في ظل تصارع عبثي للقوى بين روما وبين كل ما عداها.
لكن كيف؟ على مقشّة سحرية، بعدما دهنت جسدها بمرهم أعطاها إياه "فولند"، أو الشيطان في الرواية، واستعادت شبابها، واكتسبت قوى ساحرة.
مارغاريتا، مثل "سوبر-غيرل/ليدي" كلاسيكية، روّعت الجميع، في البناية، في الشارع وفي موسكو، إلا طفلا صغيرا ينام وحده في البرد، في شقة ما من البناية المكروبة، إنها غير-مرئية، لكن الصبي أحس بوجود إنساني، وخاطبها على أنها عمّته. تهدئه مارغاريتا وتساعده على النوم.
اسم مارغارتيا مستقى من القصة الفلكلورية الجرمانية الأشهر، فاوست، وهو أصلاً لفتاة تدخل إلى "التابلو" المانوي بين فاوست وميفستوفيلس، المزاج الشعبي يجعلها ميتافور للخطيئة، وعقدة الذنب لدى فاوست، لكن غوته يخلع عليها أدوار أكثر قوة: الموازن.
إنها موازن لأن في نسخة غوته من فاوست، خلاص فاوست متمثل في حب مارغاريت/غريتشن له. يدخل الحب كعامل رومانتيكي، من شاعر ميوله رومانتيكية، في الصراع الصارم والكابوسي بين النور والظلام، الخير والشر، إلخ.
فولند وزمرته في رواية "المعلم ومارغاريتا" يشير صراحة إلى بحثه عن سيدة تحمل اسم مارغاريتا، في موسكو، لتأخذ دور "ملكة" وراعية لحفلته العجائبية. حفلة "في العالم السفلي" تضم أموات قادمين من الجحيم، لكن لماذا مارغاريتا، في الرواية اشارات مثل" لم نجد من هو أكثر مناسبة منها"، ويبدو أنهم يبحثون عن مواصفات معينة لهذه الراعية/الملكة، أن تكون عاشقة.
في الرواية كانت مارغاريتا على استعداد بالقيام بهذه المهمة العجيبة، والبغيضة، لأنها تتوقع أن تحصل على شيء، أن تجد حبيبها مجدداً، الذي فقدت الطريق إليه، ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وهذا ما يحدث.
تتقاطع "مارغاريتا" كشخصية استثنائية مع الإرث الميثولوجي المصري القديم، تحديدا في شخصية "ايزيس"، ايزيس ذاتها مرت بتحولات كثيرة، ولا يمكن وضع معالم، حدود واضحة أو صارمة ترسم أبعاد لا تُخطيء، لكننا نتحدث عن الصورة النهائية لها التي ترسخت خصوصا في المعابد التي شيدت على شرفها في روما. "ايزيس" بحسب بلوتارك ومؤرخين آخرين، هي ملكة العالم والراعية له. وكما هي راعية "للمخطئين"، فهي ترعى المرضى واليائسين، والفقراء والأغنياء، على حد سواء. ما يهمنا هو الجزء الفلكلوري من تاريخ ايزيس، كحبيبة لأوزر، إن ايزيس لا تكتسب أهمية واضحة إلا حين يُحوّل الخيال الفلكلوري "سيث"، راعي مصر العليا، إلى ممثل للشر، القصة تكتسب أبعاد مانوية فتدخل ايزيس كموازن، بل هي البطلة الوحيدة للحكاية الميثولوجية الأهم تقريبا في الديانة المصرية الوثنية القديمة، الأمر لن يختلف كثيرا عن مارغاريتا، ايزيس العاشقة تفعل كل عجيب لتنقذ أوزر، ولـ"ايزيس" علاقة وثيقة بالسحر، تختلف عن الدور "الابيستمولوجي" لـ تحوت مثلاً، حين يأخذ دور المُعلّم، ايزيس تملك القوة السحرية -بحسب المصري القديم- التي تعالج، تنقذ، وتفعل الأعاجيب لنصرة الخير.
و ايزيس تكتسب قواها السحرية حين تستخدم الثعبان "وادجيت" للدغ رع، والحصول منه على اسمه السرّي، مهددة اياه لأنها الوحيدة التي تعرف علاج سم وادجيت، ايزيس تلعب لعبة خطرة جداً في الميثولوجيا لكن، كل هذا لأجل اعادة أوزر إلى الحياة. ومن أوزر، ايزيس تكتسب علاقتها بالعالم السفلي.
دور ايزيس، يتمثل، كما هي الشروح الحديثة للميثولوجيا، في استعادة النظام لعالم وقع في فوضى اثر انتصار "سيث"، أو عالم فقد مبادئه، لأنه لم يعد يفرق بين الخير والشر، كلا منهما فقد معناه وتحول إلى مجرد صراع بين قوتين، بين جانبين مفرطي القوى، ولم يعد ذاك الصراع يهم الإنسان العادي، شديد الضعة والتعاسة في شيء. الحب، العاطفة والأمان الأمومي هو ما يكسب هذا الصراع المعنى الوحيد.
في رواية كـ"المعلم ومارغاريتا"، التي، بحسب النقاد، تعتبر تعبيرا عن استهجان وغضب انساني من ضياع القيم في وطن فاقد لهويته، روسيا الشيوعية، حين يقف المثقف، أو من هو، كما يفترض، الشخص "المُمَيِّز"، يقف هذا المثقف وغيره بلا مبالاة أمام جرائم النظام الشيوعي ضد الأقليات، وضد الجميع تقريباً، في فترة تتميز بصراع بين القوى، شديد العبثية وخال من أي معنى انساني، (الشرق الشيوعي، الوسط الفاشي، والغرب الرأسمالي)، تأتي شخصية مارغاريتا كاستعادة للدور القديم، والمتجدد، لشخصية "راعية" ومتوازنة تصنع " النظام من الفوضى"، وفي الرواية، النهاية السعيدة إنما المحرك الرئيسي، والمسبب لها، هو مارغاريتا، إن النظر في دور مارغاريتا في الرواية كذلك يلقي بالضوء -بشكل ريتروسبيكتي- على سر اهتمام المجتمع الروماني، الغربي المفرض في غربيته وعقلانيته، المعادي للشرق بطبيعته، حين يحتضن شخصية كـ"ايزيس"، في عصر فوضوي، في ظل تصارع عبثي للقوى بين روما وبين كل ما عداها.
No comments:
Post a Comment