منذ سنوات قليلة، منع
مجلس مدينة منزا الإيطالية ملاك الحيوانات الأليفة من وضع السمكة الذهبية
في أحواض مقوسة. راعي القرار وهو يشرح القرار قال أنه من القسوة وضع السمكة
في حوض ذو جوانب مقوسة لأن السمكة سيكون لديها فكرة مشوهة عن الواقع.
ستيفن هاوكنغ - التصميم العظيم
يبدأ الفيلم ببطلته، مِيا، تتفقد فرسة بيضاء، ثم تحاول سرقتها، وتفشل، ينتقل المشهد إلى حياة ميا داخل بيت ضيق بمقاطعة "إسكس" الفقيرة، بلندن، وكما يقترح مُلخص الفلم، تتغير حياة المراهقة، ذات الخمسة عشر عاماً، حين تستيقظ ذات صباح لتجد صديق أمّها لديهم بالبيت. يراقبها بينما تمارس هوايتها -موهبتها- في الرقص على أغان الراب. يخبرها: ترقصين مثل السود، وهذا مديح. في كثير من المشاهد لها ترقص في حجرة بنافذة زجاجية ضخمة تطل على الخارج، وهي لا تسمع شيئا ولا ترى شيئا من الخارج تحت تأثير الموسيقى والحركة السريعة أثناء الرقص، مثل سمكة -في حوض- منفصلة عن الواقع، ولابد أن مِيا ترى الواقع مشوهاً، وتجد صعوبة في التأقلم مع البيئة حولها.
وبالنتيجة، نعرف أن ميا عدوانية تبادر بالأذى، طُردت من مدرستها، دائمة الشجار مع والدتها العزباء، التي يمكننا القول أنها تُهمل في شؤون ابنتيها، ميا، والصغرى تيلر، عنوان الفيلم Fish Tank يعكس الكثير، ويبدو لنا أن البيت الضيق الذي يعشن به -غالباً، بدعم حكومي للأم العزباء- يبدو كحوض سمك، على الجانب الآخر، كونر الصديق يمد يده إلى الحوض ليمسك ما يشاء، من السمكات الثلاثة، فهو في البداية يحظى بالأم، ثم بثقة الصغيرة تيلر، ويتّخذ مكانة أبوية، تتيح له في النهاية أن يستغل ميا - التي لم تبلغ بعد سناً قانونية- ،في مشهد موحٍ ، ببداية القصة، وقبل أن تتعقد، يأخذهن في سيارته إلى نزهة، ويسأل: لو أتيح لكن العودة للحياة كحيوان، ماذا سيكون، يختار كونور النسر، وتيلر القرد، وميا، النمر الأبيض. يعلل كونور: لكن النسر طائر، ألا تودون الطيران، ترد ميا: ثم يصاب الطائر بطلق ناري.
بعدها يذهب كونور إلى جدول مائي صغير، كي يصطاد سمكة بيديه العاريتين، وفي حين ترفض الأم أو الإبنة الصغرى الاقتراب، تنزل مِيا معه إلى الماء، ويمسك السمكة، وهي تجرح قدمها.
كان تصرفا عبثياً، لأن السمكة لم يأكلها أحد، وبعد أن تغادر ميا غاضبة، إلى المنزل، لوحدها، بعد أن سخرت أمها من الرقصة التي تؤديها، في اليوم التالي مشهد مؤثر للسمكة ملقاة على الأرض، يأكلها كلب العائلة.
في رغبة كونور للعودة في الحياة التالية كنسر، وفي التلميح الرمزي لكون مِيا، وعائلتها، سمك في حوض، اشارة إلى القصص الخرافية من نوعية "حب بين طائر وسمكة"، في الفيلم، يكتسب الأمر أبعاد طبقية، فـ كونور يملك سيارة فاخرة، أتى من مقاطعة لندنية أكثر ثراء، يتكلم بلهجة مختلفة عن "الكوكني" التي يتكلمن بها، وربما كذلك أبعاد بيدوفايلية، لأن مِيا "سمكة" من بيئة مختلفة كلياً عن بيئته، وهو ثلاثيني وهي في الخامسة عشر. من ناحيته، موقعه في الطبقة الاجتماعية يتيح له أن يستغل الطبقات الأقل، في حين كانت مِيا بحاجة للحب الذي افتقدته، سواء كان حباً من الأب الغائب في حياتها، أو حتى من أمها، فلا يعاملها أحد بلطف طوال الفيلم إلا كونور، الذي استغل هذا جيداً مثل predator أمسك السمكة بيديه العاريتين، وحملها بين ذراعيه -في مشهد آخر، أول احتكاك حميم بين كونور ومِيا كان حمله لها وهي نائمة إلى حجرتها- ثم بعد ذاك، يستغلها كونور، ويهجر والدتها، بعد أن يحذر مِيا من أن تذكر الأمر لأحد. يُعيدنا هذا لمشهد الكلب الذي يلتهم سمكة ميتة.
حين تذهب ميا لاختبار أداء كي تؤدي رقصة - على موسيقى أغنية كونور المفضلة- تعيش خروجاً رمزياً آخر من حوض السمك (حجرتها الخاصة، التي مارست بها الرقص كما يحلو لها بلا وجل، ونادراً ما مارسته هكذا خارجها)، حين تكتشف أن لجنة التحكيم تريد منها أن تُظهر جسدها أكثر، وترتدي ملابس كاشفة، غير تلك التي ترتديها عادة، يتدمّر طعم الأغنية للأبد، أكثر مما كان عليه بعد استغلال وهجران كونور لها، حين تعيش ميا من جديد عملية اخراجها عنوة من حوض السمك، واختناقها: كأنما تُعاد تجربتها مع كونور على أنغام هذه الأغنية.
قبيل النهاية، تعرف مِيا أن مالكي الفرسة ضربوها بالرصاص، لأنها كانت مريضة، يُعلق الولد الذي يعتني بها "لقد بلغت السادسة عشر، كان هذا هو أجلها". تبكي مِيا، في اشارة أخرى من المخرج لخروج مِيا من الحوض، من الماء، نهائياً، والموت "السيكولوجي" المتخلّف عن الألم النفسي الذي أصابها بعد تجربة كونور. في النهاية، تغادر مِيا مع صديق إلى "ويلز"، تترك بيت أمها "حوض السمك"، وفي الوقت ذاته قد يشير الأمر إلى "مجيئها إلى الحياة" من جديد، بعد موتها الأول وخروجها من الحوض. كإحالة على المفهوم البوذي الذي نوقش سلفاً.